الرئيسية من نحن النسخة الكاملة
أحمد الفرحان
الحرب الإيرانية الإسرائيلية: صراع الشرّين وانكشاف الزيف
الجمعة 20 يونيو 2025 الساعة 16:51

وسط دخان الحرب المحتدمة بين إيران وإسرائيل، يقف المراقب العربي مشدوهًا، لا من هول القتال، بل من زيف الشعارات وانكشاف الأقنعة التي طالما خدعت البسطاء باسم المقاومة والممانعة. إنها حرب بين مشروعين تدميريين، لا يحمل أيٌّ منهما خيرًا للمنطقة، بل هما وجهان لعملة الخراب ذاته.

 

المحور الأول: المشروع الإيراني.. توسّع باسم الطائفة وتخريب باسم المقاومة

 

لم تكن إيران يومًا لاعبًا بريئًا في ساحة الشرق الأوسط. فمنذ الثورة الخمينية، عملت على تصدير فكرها الطائفي التوسعي بغطاء "الثورة الإسلامية" و"نصرة المستضعفين". لكن الواقع كان مختلفًا كليًا، إذ تحوّل هذا المشروع إلى كابوس مزعج حلّ بأربع عواصم عربية: بغداد، دمشق، بيروت، وصنعاء.

 

فباسم "نصرة فلسطين"، دعمت إيران ميليشيات طائفية في العراق ارتكبت أبشع المجازر بحق السنّة. وباسم "الطريق إلى القدس"، سوّت مدنًا سورية بالأرض وهجّرت الملايين. وفي لبنان، اختطفت قرار الدولة عبر حزب الله، وفي اليمن سلّحت الحوثيين وأشعلت حربًا أكلت الأخضر واليابس. أما حديثها عن مقاومة أمريكا وإسرائيل، فلم يكن إلا شعارات للاستهلاك الداخلي، سرعان ما تبخرت أمام صفقات التبادل وأدوار التواطؤ الصامتة.

 

المحور الثاني: إيران بين البروباغندا والواقع.. بيت العنكبوت

 

عاشت إيران عقودًا داخل فقاعة الوهم: دولة جبارة لا تُقهر، ومحور مقاومة لا يُهزم. روّج إعلامها وإعلام أذرعها في المنطقة لانتصارات وهمية، وجنّد الآلاف في حرب سرديات، أقنعوا فيها جمهورهم أن "الرد في الوقت والمكان المناسب"، وأن "إسرائيل تخشى ردّنا".

 

لكن جاءت الحرب لتكشف المستور. فإذا بإيران عاجزة عن حماية عمقها، وإذا بأذرعها تتساقط واحدة تلو الأخرى. انكشفت هيلمانة "الحرس الثوري" وتهاوى وهج "الردع"، وإذا بها – كما وصفها القرآن – "كبيت العنكبوت"، ظاهرها القوة، وباطنها الهشاشة والتآكل الداخلي.

 

المحور الثالث: إسرائيل.. غطاء غربي وقوة مدعومة

 

أما إسرائيل، فرغم ما تقوم به من استعراض عسكري وهجمات موجهة ضد الميليشيات الإيرانية في سوريا والعراق ولبنان، إلا أنها ليست قوة مطلقة، ولا دولة مستقلة القرار بالكامل. فحركتها في المنطقة تستند إلى غطاء غربي واضح، وتنسيق أمريكي مباشر، يسمح لها بأن "تصول وتجول" متى شاءت.

 

صحيح أنها تقطع أذرع إيران لأنها تراها تهديدًا، لكن ما تقوم به في الحقيقة هو تأمين حدود مشروعها، بضوء أخضر أمريكي، واستغلال لمناخ الضعف العربي. رغم ذلك، فإن إسرائيل، كإيران، تخاف من المعركة الحقيقية، وتحرص على ألا تخوض حربًا واسعة، لأنها تعرف هشاشتها وضعفها النفسي رغم ترسانتها.

 

خاتمة: حرب لا نأسف على أطرافها

 

وبين هذا وذاك، لا نرى في هذه الحرب خيرًا. فكلتا الدولتين شرٌ مستطير، زرعتا الخراب في شتى بلادنا، من غزة إلى صنعاء، ومن حلب إلى بيروت. نحن لسنا طرفًا في صراعهما، بل كنا الضحية الأولى لمشاريعهما، لذلك لا نخجل إن قلنا إننا "متفرجون.. وربما شامتون". فمن ذاق القتل والتشريد في داريا وحمص لن يذرف دمعة على من قصفه بالأمس.

 

ولعلّ هذه الحرب، مهما طالت، تحمل في طياتها بارقة أمل: نهاية مشروعين متوحشين، علّ الأمة ترتاح من لعنة التخريب المقنّع بالمقدس، وتبدأ طريقًا جديدًا نحو تحرر حقيقي.