الرئيسية من نحن النسخة الكاملة
علي العمراني
الذين لم يسرقوا (1-2)!
الثلاثاء 19 أغسطس 2025 الساعة 13:55

لم يأتِ الربيع العربي- أو “العبري!” كما يسميه خصومه- من فراغ، وإنما بسبب فساد كبير عمَّ المنطقة العربية، خصوصًا في تلك الدول التي يُطلق عليها جمهوريات!

أما ملكيات النفط، فقد صار أكثر قادتها أثرياء، لكنهم لم يستأثروا بالثروات لأنفسهم فقط، فقد استفادت شعوبهم من تلك الثروات إلى حد كبير، وكان معظم أولئك القادة كرماء مع أشقائهم إلى حد بعيد. وتأتي الكويت في الطليعة، وتُوصف بأنها لا تُتبِع ما تعطي منًا ولا أذى، ومن بعدها - ولو بفارق - كانت الإمارات. ولا يعود ذلك الفارق إلى بخل الإمارات أو تقتيرها في عهد الشيخ زايد، لكن العوائد الكثيرة لثروتها جاءت متأخرة نسبيًا، وكانت تتلقى مساعدات من الكويت قبل عوائد ثروتها الكبيرة، التي يُوظف جزء منها الآن في عذابات بعض الأشقاء، وتأتي اليمن في المقدمة، وأقصد دعم الإمارات لمشروع التمزيق والتجزئة في اليمن.

وقدّمت السعودية مساعدات لدعم الموازنة في اليمن بعد حرب الستينات، مع تبرم وضيق من الرئيس القاضي الإرياني المعتز بنفسه وبلده كثيراً، والذي كان يرى أهمية التعامل الندي بين البلدين. وساعدت السعودية في إزالة آثار العدوان في مصر بعد 1967، ودعمت مصر وسوريا في حرب 1973.

في الستينات، كان الزعماء العرب يتنافسون على النزاهة، وكان منهم الملوك مثل فيصل بن عبدالعزيز وإدريس السنوسي، ومنهم الرؤساء مثل هواري بومدين، وبورقيبة، والسلال، وقحطان الشعبي، وسالمين، والإرياني، والحمدي. وكان عبدالناصر رمز النزاهة في الوطن العربي، ووقف معه الشعب المصري والعربي منتصرًا في 1956 ومنهزمًا في 1967. وعند وفاته، بكاه كثيرون ممن كانوا يعارضونه. وسُئل الشاعر أحمد فؤاد نجم عند وفاة عبدالناصر: لماذا تبكيه وقد سجنك؟ فكان رده: لأنه لم يكن يسرق!
وفي أحاديثه مع صحيفة الشرق الأوسط في منتصف الثمانينات، تحدث أبرز خصوم عبدالناصر في ذلك الزمن، مرشد الإخوان عمر التلمساني، بمزايا لعبدالناصر مقارنة بزملائه من الضباط الأحرار، ومنها الاستقامة الشخصية.
وعلى علو قدره، فقد كان عبدالناصر يستخدم ألفاظًا لا تليق في بعض خطاباته عن بعض من اختلف معهم من الملوك العرب. ويُؤخذ عليه أيضًا غياب تأسيس وترسيخ الديمقراطية في عهده، وتأسيسًا لما بعد عهده.
وأعظم ما في عبدالناصر أنه كان زعيمًا عروبيًا وثوريًا، لم يسرق ولم يحابِ المقربين والأقرباء.

وفي عهد التسابق والتنافس على الانضباط والنزاهة، قيل إن الملك فيصل كان يحدد مصاريف أبنائه، ويمنعهم من امتلاك سيارات وهم طلاب في الجامعة. وسُئل الأمير خالد بن فيصل ذات مرة، فأكد على ذلك، ثم سُئل: كم تحدد لولدك، الطالب في جامعة البترول، مصاريف شهرية؟ فقال: ألف! وكان يشير بذلك أيضًا إلى المبلغ الذي كان يحدده لهم والدهم، الملك القدير بحق، فيصل.

ومما لفت نظري في بداية الثمانينات، أنني لم أعرف أن زميلنا في الفصل في جامعة البترول والمعادن هو حفيد الملك عبدالعزيز إلا بعد ثلاثة أشهر من الدراسة، وكان ذلك مصادفة, عندما اقترحت عليه زيارة المكتبة في الجامعة لقراءة مقال في النيويورك تايمز كتبه وكيل الداخلية وقتها، وهو مثقف وأحد الأمراء السعوديين، ينتقد فيه سياسات الغرب في المنطقة في ذلك الزمن. وعندما جلسنا نقرأ المقال، قال: هذا - يقصد الكاتب - يصير خالٍ لي! يعني خاله!

قبل تعرفي عليه، كان زملاؤه ينادونه فيصل، ولم أكن أعرف أن الملك فهد عمه، وأن جده عبدالعزيز آل سعود.

تذكرت ذلك بعد سنوات في صنعاء، عندما علق يحيى الراعي على أحد الزملاء أعضاء مجلس النواب الشباب، وقال: موكب فلان أكبر من موكب علي عبدالله صالح بعد عشر سنوات من رئاسته! وقلت لأحد الزملاء المقربين من القصر قبيل اندلاع “الربيع العبري!”: لمَ لا تنصحوا الرئيس بإصلاح الوضع، أو أنكم ترغبون باستمرار الفوضى لأنها تناسبكم؟ فقال: نريد أن تستمر الأوضاع هكذا عشرين سنة! وكان ممن تعاظم نفوذهم وثرواتهم.

وتحدثت مع آخر كان يبدو فوضويًا ومشاغبًا قبل الربيع العربي، وقلت: تبدو كمن يرغب في أن يُنسب إليه الطيش والفوضى! فقال: إذا تمسكت بالقانون في بلدنا سوف تخسر ويُداس على رأسك، ولن تستفيد!

تبين لي بعد ذلك في المنفى أن ذلك الزميل في داخله محترم و”مؤدب”! ومثله صاحب الموكب الكبير! وكانت الفوضى والبلطجة سلوكًا مكتسبًا تعلموه، ومقصودًا، لأنهم وجدوه مفيدًا، ماديًا ومن حيث النفوذ، دون أن يردعهم أحد.

وقال آخر وقد جمع ثروة طائلة عن طريق استغلال النفوذ: إذا تمسكت بالنظام والقانون في اليمن فستموت جوعًا! كان ذلك التصريح بحضور ولدي صلاح، الذي عاد من حيث أتى إلى الغربة بعد سماعه ذلك التصريح المحبط!

وتُستثمر الآن المليارات المنهوبة من اليمن في دبي، وعمّان، والقاهرة، واسطنبول، وغيرها؛ كما أن لحرب العشر سنوات الأخيرة لورداتها الجشعين أيضًا وتجارها المستغلين، وغاسلي أموالها المحترفين.

* (من صفحة الكاتب على فيس بوك)