بين التوجس والارتباك تعيش مليشيا الحوثي، حالة قلق منذ بدء سريان اتفاق وقف إطلاق في غزة، وسط مؤشرات على سعيها لإيجاد مبررات جديدة لاستمرار التصعيد العسكري سواء على المستويين الداخلي والخارجي، تهرباً من أي استحقاقات أمام المواطنين من مرتبات وغيرها، وتجنباً للغضب الشعبي في مناطق سيطرتها نتيجة تفاقم الأزمة المعيشية وتوقف المساعدات الإنسانية.
وبعد إعلان "حماس" موافقتها على خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لوقف إسرائيل عملياتها على قطاع غزة، كان اليمنيون يترقبون كيف ستكون ردود أفعال الجماعة تجاه تلك الموافقة.
وخلال الأيام القليلة الفاصلة بين رد المفاوضين في حركة حماس والتوقيع على اتفاق السلام في شرم الشيخ يوم الثالث عشر من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، أطلقت مليشيا الحوثي تهديدات لإسرائيل باستهدافها في حال نقض تل أبيب للاتفاق. وسبق للجماعة أن شككت بمصداقية الاتفاق بمزاعم أن إسرائيل ستنقض تلك الاتفاق وستعود إلى قصف غزة مجدداً.
مساء الخميس، ظهر زعيم المليشيا عبد الملك الحوثي في أول خطاب له بعد إعلان اتفاق وقف إطلاق النار بغزة، ليفصح عن أن جماعته لا تستطيع العيش والبقاء إلا في ظل ظروف الحرب والنزاعات، وحفاظها على استنفارها الدائم من خلال الصراعات المختلفة.
وزعم الحوثي أن "العدو الإسرائيلي لا يلتزم إلا بالإرغام، ولذلك لا بد مما سماها "الجهوزية المستمرة واليقظة العالية والمواكبة المستمرة والاستعداد لأي تطورات".
وقال "ما تم كان عبارة عن جولة وقد تكون هدأت ولكن العدو الإسرائيلي ومعه الأمريكي دائما في عمل على كل المستويات، فالعدو الإسرائيلي والعدو الأمريكي الشريك له في كل جرائمه لا يزال يشكل خطراً مستمراً على أمتنا". في تصريحات عدها مراقبون هروباً من استحقاقات جماعته تجاه المواطنين في مناطق سيطرته.
كما زعم أن خطر العدو الإسرائيلي والأمريكي لا يزال باقٍ في اليمن، متهماً خلايا تجسسية من المنتسبين للمنظمات الأممية بأن لها الدور الأساس في الاستهداف الإسرائيلي لاجتماع الحكومة (غير معترف بها دوليا)"، الذين قضوا بغارة إسرائيلية أواخر أغسطس الماضي.
شماعة العدوان السعودي
وفي سياق المخاوف الحوثية، هددت الجماعة السعودية بمعاودة استهداف شركة "أرامكو" عملاق النفط السعودي، في ظل جمود عملية السلام في اليمن الغارق بالحرب منذ أكثر من 10 سنوات.
ودعا مهدي المشاط، رئيس ما يسمى بـ "المجلس السياسي الأعلى" أعلى سلطة تابعة للحوثيين، السعودية، إلى الانتقال من مرحلة خفض التصعيد إلى إنهاء "العدوان والحصار والاحتلال" وتنفيذ الاستحقاقات الواضحة للسلام.
وتعهد المشاط، بمواصلة "الدفاع" عن اليمن حتى تحرير كل شبر من أراضي الجمهورية اليمنية وطرد كل "محتل غاصب استباح ثروات الشعب وسفك دماء أبنائه، وقيد حرياتهم في سجونه السرية المظلمة وحاربهم في لقمة العيش بافتعال الأزمات الاقتصادية والتسبب في الغلاء وانعدام الوقود والغذاء".
عضو المجلس السياسي للحوثيين حزام الأسد، كتب في تدوينة عبر منصة (إكس) قائلا: "عشرة أعوام من العدوان والقصف والقتل والإجرام، والدمار والحصار، والاحتلال ونهب الثروات. مضيفا "اليوم يحاول النظام السعودي التملّص من حقوق شعبنا والمماطلة في تنفيذ التزاماته".
واستباقاً لأي طارئ وجه القيادي في الجماعة، علي شرف المحطوري، تهديده للشعب اليمني، بشأن أي مطالبات بالمرتبات، بالقول "من الأخير بكلمتين قصار عن المرتبات: من يعتقد أن صنعاء هي سبب الحرمان من المرتبات، فليتفضل يعمل ثورة، ومن يعتقد أن السبب هو في البلطجة السعودية التي لا تزال تمتنع عن معالجة آثار ما سماه "العدوان" وتواصل الحصار، فعليه أن يعزز من قوة الموقف الوطني ليوم حساب لا بد أنه آت آت".
فإلى ما قبل عامين، عقب المفاوضات المباشرة بين السعودية وجماعة الحوثي كانت الأخيرة تواجه أوسع حركة احتجاج منذ انقلابها على الحكومة الشرعية آواخر عام 2014، عندما قاد نادي المعلمين والنقابات الموازية مظاهرات، مطالبة بصرف الرواتب وتحسين الأوضاع المعيشية.
غير أن اندلاع الحرب في غزة شكل طوق نجاة للجماعة التي قمعت المحتجين بتهمة "التعاون مع إسرائيل" و"الانشغال عن نصرة الفلسطينيين"، مستثمرة التعاطف الشعبي مع مأساة غزة لتثبيت قبضتها الأمنية وتبرير فشلها الاقتصادي والإداري.
وخلال اليومين الماضيين دفعت مليشيا الحوثي، بتعزيزات عسكرية كبيرة إلى جبهاتها في محافظتي تعز والضالع، في تصعيد ميداني جديد عقب وقف إطلاق النار في غزة.
استثمار الصراع الخارجي في تبرير عسكرة الداخل
ويرى محللون أن أي تهدئة إقليمية تًضعف من قدرة الحوثيين في اليمن، على استثمار الصراع الخارجي في تبرير عسكرة الداخل وتعبئة المجتمع، مرجحين أن تذهب الميليشيا المدعومة من إيران باتجاه حروب محلية لإشغال الداخل، في وقت يرزح فيه ملايين اليمنيين تحت خط الفقر ويُحرمون من الخدمات الأساسية والرواتب منذ سنوات.
وفي سياق موازٍ شككت صحيفة "الأخبار" اللبنانية المقربة من حزب الله من نجاح وسريان وقف إطلاق النار في غزة، وقالت إن "جهاز الموساد الإسرائيلي أطلق حملة تجنيد واستقطاب واسعة في اليمن بعد عملية اتفاق إطلاق النار في غزة".
وزعمت الصحيفة أنه رغم توقّف ما سمته "عمليات الإسناد اليمنية" لقطاع غزة، منذ دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، مطلع الأسبوع، إلا أنّ التهديدات الإسرائيلية لصنعاء لم تتوقّف. وقالت إن "إسرائيل تسعى لفصل الملف اليمني عن حرب غزة تمهيداً لتصعيد ضد صنعاء، ولهذه الغاية تعمل على تجنيد جواسيس في اليمن".
صراخ حوثي هروباً من استحقاقات الشعب
الخبير العسكري اليمني الدكتور علي الذهب، يقول إن "جماعة الحوثي تعيش حالة توجس وقلق لمرحلة ما بعد اتفاق غزة، فهي تتحسب لواقع ما بعد غزة، وهذا الأمر ظل يشاورها منذ سقوط حزب الله في لبنان ونظام بشار الأسد في سوريا، ذراعا إيران في المنطقة".
وفي حديثه لـ "المصدر أونلاين" يؤكد الذهب أن "بقاء مليشيا الحوثي ومشروعها مرهون باستمرار الصراع، لذا فإنها ستعمد على التصعيد وافتعال الأزمات في الداخل هروباً من استحقاقاتها أمام الناس من رواتب وغيرها من الخدمات".
وتوقع أن الحوثيين سيحاولون إيجاد مبررات لعودة الاشتباك سواء على مستوى الداخل بتحريك الجبهات الداخلية أو الخارج فيما يخص تهديد الملاحة الدولية في البحر الأحمر.
ويرى أن الحوثيين رغم سوء تصرفاتهم وتهديداتهم الخارجية، إلا أنه لا يزال هناك توظيف لهم في الداخل، وهذا التوظيف يتطلب وفقاً لتصورات المستفيدين الخارجيين منهم وإطالة أمدهم، وإبقاء البلد ممزقا خصوصاً المحافظات الجنوبية، وما يجري فيها من تقسيم وتجزئة المجزأ.
وأضاف الخبير العسكري "هناك تصعيد شعبي بمناطق سيطرة الحوثيين بشأن الاستحقاقات التي يفرضها أي هدوء، ولذلك يحاول الحوثيون افتعال الصراع، بمزاعم أن هناك مؤامرة كونية عليهم وأنهم مستهدفون وأن الحرب لا تزال قائمة، فلا مجال لأي مطلب حقوقي مثل المرتبات والصحة والتعليم، باستثناء أتباعهم ومقاتليهم".
وأردف "افتعال المليشيا للصراع وادعاء أن يكون هناك تهديد خارجي عليها، مجرد صراخ يسكت المطالبين بتلك الحقوق ويجبرهم على الالتفاف حولها".
كما توقع الذهب أن الحوثيين يستشعرون بأن هناك تفرغاً دولياً لما بعد غزة، لهم ولإيران، وأن كليهما سيتعرضان للضرب"ـ وفق الخبير العسكري.
العيش على دخان الحروب والأزمات
الباحث السياسي، نبيل البكيري، قال "بلا شك أن حلول السلام مؤخراً في غزة أفقد جماعة الحوثي أهم ورقة دعائية كانت تستخدمها للهروب من مواجهة متطلبات الناس في مناطق سيطرتها، والتي هربت للانخراط في حرب غزة بطريقة دعائية واضحة واستخدمت كل الوسائل لتظهر وكأنها في معركة حقيقة مع غزة".
وقال البكيري لـ "المصدر أونلاين" إن الجميع يدرك أن غزة لم تكون سوى "ورقة يستخدمها الحوثي أمام الناس في مناطقة سيطرته لصرفهم عن المطالبة بحقوقهم ومتطلباتهم وكل من يرفع صوته كان يلاقى بالقمع والسجون والمعتقلات".
وأضاف "اليوم مع توقف حرب غزة فقد الحوثي أهم أوراق تهربه ولهذا تسعى الجماعة لإيجاد أي ذريعة لتظل وكأنها لا تزال في حرب، وبالتالي ضرب كل من يطالبها بحقوقه تحت ذريعة أن الجماعة تعيش حالة حرب لم تتوقف بعد".
وختم الباحث البكيري حديثه بالقول "هذا يقودنا لحقيقة أن هذه الجماعة فعلاً لا يمكنها أن تعيش خارج دخان الحروب والأزمات".