تستمر مليشيا الحوثي في حرمان مئات الآلاف من موظفي الدولة في مناطق سيطرتها من مرتباتهم للعام التاسع على التوالي، في الوقت الذي تواصل فيه نهب الإيرادات العامة وتوظيفها لخدمة مجهودها الحربي، قبل أن تحاول الهروب من مسؤوليتها بمطالبة المملكة العربية السعودية بتحمل نفقات الرواتب، في خطوة وُصفت بأنها قمة الوقاحة السياسية والتنصل الأخلاقي.
نهب الإيرادات وتوظيفها لتمويل الحرب
منذ نقل البنك المركزي إلى العاصمة المؤقتة عدن عام 2016، رفضت مليشيا الحوثي الالتزام بدفع رواتب الموظفين في المناطق الخاضعة لسيطرتها، رغم سيطرتها على معظم الموارد السيادية، وفي مقدمتها إيرادات الموانئ، والضرائب، والجمارك، والاتصالات، وقطاع النفط والغاز الداخلي.
ووفق مصادر اقتصادية، تستحوذ المليشيا على أكثر من 70% من إيرادات الدولة، وتوجهها لتمويل عملياتها العسكرية، وصرف الحوافز والمكافآت لعناصرها في الجبهات، في حين يواجه الموظفون المدنيون أوضاعًا معيشية قاسية دفعت الآلاف منهم إلى الفقر أو ترك وظائفهم.
محاولة للهروب من المسؤولية
وفي سلوك يعكس ازدواجية المواقف، تحاول المليشيا التملص من مسؤوليتها تجاه المواطنين عبر مطالبة المملكة العربية السعودية بتحمل مسؤولية صرف رواتب الموظفين في مناطق سيطرتها، رغم أنها الطرف الذي يسيطر فعليًا على الإيرادات العامة.
ويرى مراقبون أن هذه المطالب تمثل محاولة للهروب من الضغوط الداخلية، بعد تصاعد الغضب الشعبي في صنعاء ومدن أخرى جراء انقطاع المرتبات وارتفاع الأسعار، مؤكدين أن الجماعة تسعى إلى تحويل الملف الإنساني إلى ورقة ابتزاز سياسي واقتصادي جديدة.
تداعيات إنسانية واقتصادية خطيرة
أدى انقطاع الرواتب المستمر إلى تفاقم معاناة الأسر اليمنية، وتدهور الخدمات العامة في قطاعات التعليم والصحة والقضاء.
فالمعلمون توقفوا عن أداء مهامهم أو اضطروا للبحث عن أعمال بديلة، والمستشفيات تعاني من نقص الكوادر والتمويل، فيما يعيش الموظفون في ظل موجة غلاء خانقة، وارتفاع مستمر في أسعار السلع الأساسية والوقود، دون أي تدخل فعلي من سلطات الأمر الواقع في صنعاء.
استغلال معاناة اليمنيين كورقة سياسية
يشير خبراء إلى أن مليشيا الحوثي تتعامل مع قضية الرواتب كورقة ضغط تفاوضية، لا كحق مشروع لموظفي الدولة، متجاهلة التزاماتها القانونية والأخلاقية.
كما تؤكد تقارير دولية أن المليشيا استخدمت حسابات إيرادات ميناء الحديدة – المخصصة لصرف المرتبات وفق اتفاق استوكهولم – لتمويل أنشطتها الخاصة، في خرق واضح لبنود الاتفاقات الإنسانية التي وقّعت عليها.
دعوات لموقف حازم
في ظل هذا الواقع، تتعالى الدعوات المطالبة بموقف وطني ودولي حازم يجبر المليشيا على تخصيص الإيرادات العامة لصرف رواتب الموظفين، باعتبارها التزامًا قانونيًا وإنسانيًا لا يخضع للمساومات السياسية.
كما تؤكد الحكومة الشرعية أن دفع الرواتب لا يمكن أن يتم من خارج مؤسسات الدولة الشرعية، وأن استمرار الحوثيين في نهب الإيرادات يمثل جريمة اقتصادية مكتملة الأركان بحق الشعب اليمني.
خاتمة:
وبينما يزداد الفقر والجوع في مناطق سيطرة المليشيا، تواصل قيادة الحوثيين الإنفاق بسخاء على الفعاليات الطائفية والمواكب الاحتفالية، في مشهد يعكس مفارقة مؤلمة بين واقع الشعب ومعيشة القيادات.
ويبقى الموظف اليمني رهينة لسياسة المليشيا التي حولت لقمة عيشه إلى وسيلة ابتزاز، في حين ترفع شعارات “الكرامة والسيادة” وهي تمارس أبشع أشكال الإذلال بحق المواطنين.