تصاعدت في الآونة الأخيرة وتيرة ضبط شحنات الأسلحة المهربة إلى مليشيات الحوثي، في سواحل اليمن، وتحديداً خلال شهري يوليو وأكتوبر من العام الجاري، بعمليات تكشف عن حجم وكمية تدفق الأسلحة التي تأتي عبر شبكات متطورة ومسارات بحرية وبرية متعددة.
وتُعد عمليات تهريب الأسلحة إلى الحوثيين في اليمن إحدى أكثر الظواهر تعقيداً وخطورة في النزاعات المسلحة الحديثة، بما تمثله من تحدٍ مباشر للأمن القومي العربي والإقليمي والدولي.
ومنذ انقلاب مليشيا الحوثي وثّقت تقارير أممية وأمريكية متكررة عمليات تهريب أسلحة إيرانية متطورة إلى المليشيا، شملت صواريخ باليستية وطائرات مسيّرة، جرى استخدامها في استهداف دول الجوار والملاحة الدولية. وقد اعترضت البحرية الأمريكية والفرنسية، خلال السنوات الماضية، عشرات الشحنات في بحر العرب وخليج عدن.
وخلال الأشهر الأخيرة استطاعت القوات اليمنية الموالية للحكومة الشرعية ضبط العديد من عمليات شحنات الأسلحة، كان أبرزها الشحنة التي ضبطت في أغسطس الماضي وأعلن عن تفاصيل محتواها مطلع أكتوبر الماضي، في ميناء عدن، والتي احتوت على 58 حاوية شحن بوزن 2,500 طن من الأسلحة والمعدات، بينها مصنع للطائرات المسيرة. وفي يونيو الماضي تم ضبط سفينة قبالة السواحل الغربية تحمل شحنة أسلحة بوزن 750 طنًا، تضمنت صواريخ وذخائر ومعدات رادار، وشحنة أخرى في لحج تحوي معدات منشأها الصين، بما في ذلك أجزاء رافعات ومكونات عسكرية أخرى.
ويأتي تزايد عمليات تهريب شحنات الأسلحة مؤخرا بعد توسّع هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر، وفقدان إيران لأذرعها في لبنان وسوريا، ما جعل اليمن إحدى أبرز ساحات النفوذ الإيراني وأداة إستراتيجية في صراعها مع الولايات المتحدة وإسرائيل.
وكانت المملكة العربية السعودية والمملكة المتحدة، أطلقتا منتصف سبتمبر الماضي، في العاصمة الرياض مبادرة دولية غير مسبوقة لدعم خفر السواحل اليمني، بمشاركة أكثر من 40 دولة، تهدف لتعزيز قدرات خفر السواحل اليمني في مجال مراقبة الحدود البحرية وإنفاذ القانون، مما سيسهم في تحسين أمن السواحل اليمنية وحماية الممرات البحرية الحيوية في المنطقة.
وعقب الهجوم الإسرائيلي على إيران، قال وزير الدفاع الإيراني "عزيز نصير زاده" إن "طهران أنشأت بنى تحتية ومصانع للسلاح في بعض الدول بالمنطقة وقد نكشف عنها خلال شهر"، دون تسمية تلك الدول، الأمر الذي رجح مراقبون أن اليمن ضمن المواقع المحتملة لنقل إستراتيجية التصنيع الإيراني، نظراً لفقدان طهران نفوذها في سوريا ولبنان.
تحذيرات أممية من استمرار تهريب الأسلحة للحوثين
وفي السياق ذاته، قال فريق الخبراء الأممي التابع للجنة العقوبات (2140) في مجلس الأمن، المعني باليمن إن "مليشيا الحوثي واصلت تلقي تجهيزات عسكرية وذخائر، بما في ذلك صواريخ وطائرات مسيّرة وقذائف مضادة للطائرات وأجهزة اتصالات وغيرها، عبر ميناء عدن ومنفذي شحن وصرفيت الحدوديين مع سلطنة عمان، بالإضافة إلى محاولات تهريب عبر البحر، ما يعزّز قدرتها العسكرية في اليمن وعلى امتداد المنطقة".
وأوضح الفريق الأممي في تقريره المقدم لمجلس الأمن الدولي والذي يغطي الفترة من أغسطس 2024 إلى يوليو 2025، أن هذه الأسلحة تُنقَل عبر مرافق بحرية أو برّية، وتستخدم في استهداف الملاحة التجارية في البحر الأحمر وخليج عدن، ما يشكل تهديداً لحركة التجارة الدولية وأمن الملاحة".
وأفاد التقرير بأن الحوثيين واصلوا تلقي تجميعات عسكرية متقدّمة وذخائر، عبر شبكات تهريب من إيران أو بدعم مباشر أو غير مباشر من أطراف مساندة، ما يُعدّ خرقاً صريحاً لقرار مجلس الأمن 2216 وما تحمله من التزامات دولية.
تثير هذه التطورات تساؤلات حول أسباب هذا التزايد الملحوظ في ضبط شحنات الأسلحة: هل هو نتيجة لـ"صحوة متأخرة" في الجهود الرقابية، أم نتيجة لـ "التغيُّرات في السياسات الدولية" أدت إلى تشديد الخناق على شبكات التهريب؟
بين الصحوة المتأخرة وتغيُّر السياسات الدولية
وحول زيارة ضبط شحنات الأسلحة، يقول الباحث عاتق جار الله، مدير مركز المخا للدراسات، إن "زيادة عمليات ضبط شحنات الأسلحة المهربة خلال الآونة الأخيرة، يعكس حجم وكميات الأسلحة التي تهربها إيران في محاولة لتعويض فقدان نفوذها في لبنان وسوريا".
في حديثه لـ "المصدر أونلاين" يضيف جار الله أن "هذا التصعيد يكشف حرص إيران على الإبقاء على القدرات القتالية الفاعلة للحوثيين، بما يتيح لها استخدامهم كأداة ضغط في المنطقة بعد الضربة التي تلقتها من إسرائيل وتراجع نفوذها في المنطقة، كما تسعى من خلال ذلك إلى إعادة التوازن لنفوذها الإقليمي عبر زعزعة الأمن القومي واستخدام الحوثي كأداة تهديد ضد دول المنطقة وتهديد الأمن والسلم الدوليين لتحقيق مكاسب تخدم مشروعها التوسعي".
وأكد أن إيران تتخذ من البحر الأحمر مرتكزاً مهماً لنفوذها بعد أن خسرت نفوذها بالبحر المتوسط ولم تعد تطل عليه بعد هزيمة حزب الله ونظام بشار الأسد، فالبحر الأحمر يمثل لها أهمية استراتيجية وسياجا ثانياً للمنطقة بعد مضيق هرمز.
ويرى أن "تواجد إيران في البحر الأحمر سمح لها بالنفوذ في سواحل دول شرق أفريقيا، ومكنت الحوثيين من تقوية نفوذهم وربط علاقات مع مليشيات تلك الدول كالصومال، وكثفت بشكل كبير الدعم بالأسلحة والخبراء، في محاولة لتعويض الضربة التي تلقتها أذرعها في المنطقة".
وأضاف جار الله "مع الأسف الشديد إيران تريد أن تحول اليمن إلى مكب للنفايات بعد أياديها التي تكسرت في لبنان وسوريا، وذلك بإرسالها الخبراء وشحنات الأسلحة، وربما مصانع الأسلحة، إلى البلد، وهذا يشكل عبئاً على مستقبل اليمن ودول الجوار مثل المملكة العربية السعودية ودول المنطقة بشكل عام".
وتابع "عملية ضبط شحنات الأسلحة ليس صحوة متأخرة من القوات الشرعية، وانما محاولة بعض أطراف في الشرعية مثل طارق صالح والمجلس الانتقالي الاستفادة من التوجه الدولي الجديد في البحر الأحمر بعد تنامي مخاطر التهديدات الحوثية".
وقال إن "قوات طارق صالح وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي وكلاهما قوات تدعمها وتمولها الإمارات، المستفيد الأول وراء ضبط شحنات الأسلحة، رغم أن الانتقالي بعيد بعض الشيء، لكن طارق صالح باعتبار أن علاقته مع الشرعية باتت جيدة، أصبح يقدم نفسه كحليف حقيقي للمجتمع الدولي تحديداً أمريكا، وهذا يعطيه امتيازاً". ويعود ليستدرك "لكن هذا الامتياز في الحقيقة ليس لطارق بل للإمارات"، حد قوله.
وعي دولي متأخر بخطر الحوثيين
النقيب هيثم الجرادي، مدير مركز الإعلام الأمني بوزارة الداخلية، يرى أن التنسيق الأمني والعسكري بين اليمن ودول التحالف العربي بقيادة السعودية، إلى جانب الشركاء الدوليين، مثل نقطة تحول هامة في مسار مكافحة عمليات التهريب، مشيرا إلى أن هذا التنسيق كان عاملاً حاسماً في تحقيق الانجازات الأمنية الميدانية خلال الفترة الماضية.
في حديثه لـ "المصدر أونلاين" يقول الجرادي إن وزارة الداخلية من خلال أجهزتها المختصة وقوات خفر السواحل، تعمل وفق منظومة تعاون متكاملة تشمل تبادل المعلومات، والتخطيط المشترك، وتنسيق العمليات الميدانية، مع الدول الشقيقة والصديقة خصوصاً في المناطق الساحلية والمياه الإقليمية. وقد أثمر هذا التكامل عن ضبط شحنات أسلحة ومعدات عسكرية وشحنات مخدرات مهربة كانت في طريقها إلى الحوثيين".
وبشأن ما إن كان هناك تنافس بين الكيانات العسكرية التابعة للشرعية لتقديم نفسها أمام المجتمع الدولي كجهات جديرة بالثقة؟ يضيف الجرادي "في المرحلة الراهنة يوجد تنسيق ميداني متكامل تحت إشراف المجلس الرئاسي بقيادة رئيس المجلس رشاد العليمي ومتابعة مباشرة من وزارة الداخلية".
فيما يخص زيادة وتيرة ضبط شحنات الأسلحة مؤخراً وعلاقتها بالتغيرات في السياسات الدولية، يشير الجرادي إلى أن هناك "وعي دولي متزايد بخطورة العقيدة الإرهابية لمليشيا الحوثي وسلوكها المتطرف، خصوصاً بعد أن أصبح تهديدها يمتد مباشرة إلى الأمن والسلم الدوليين".
وحسب الجرادي فقد أدى هذا الواقع إلى إعادة النظر في التقييم الأمني الدولي للمرحلة الماضية، وإدراك أهمية مراقبة وتحجيم الأنشطة الحوثية العدائية، وفي مقدمتها تهريب الأسلحة والمخدرات القادمة من إيران إلى الحوثيين.
وختم مدير مركز الإعلام الأمني بوزارة الداخلية الجرادي حديثه بالقول إن "هذا الوعي الدولي يشكل نقطة انطلاق للتنسيق الأمني المستمر بين اليمن وشركائها الإقليميين والدوليين، لتعزيز جهود مكافحة عمليات التهريب وحماية الممرات المائية الحيوية، ومواجهة أي محاولات تهدف إلى تقويض الاستقرار الوطني وتعطيل جهود الدولة في حفظ الأمن".