كشفت منصة متخصصة في التحقق من المعلومات، عن حملة رقمية منسّقة على منصة X استهدفت السعودية باتهامات مباشرة بتعطيل حركة السفن إلى ميناء عدن، في نشاط رقمي مكثف حقق وصولاً تراكمياً تجاوز 14 مليون خلال يوم واحد فقط، ما يضع هذه الحملة في سياق سياسي حسّاس يفتح باب تساؤلات حول أهدافها وتوقيتها، خصوصاً في ظل العلاقة المعقدة بين المملكة والمجلس الانتقالي الجنوبي.
وبحسب تقرير تحليلي موسع لمنصة "مسند"، تصدّر وسمان متزامنان هما #السعودية_تعطل_السفن_لعدن و#ميناء_عدن_شريان_الغذاء النقاش العام يوم 16 ديسمبر 2025، مسجلين معاً أكثر من 11,600 منشور ونحو 59,400 تفاعل، في زخم رقمي مفاجئ تشكّل خلال نافذة زمنية قصيرة، ودون أي تمهيد تدريجي يعكس نقاشاً طبيعياً.
وأوضحت المنصة أن الوسمين لم يكونا مسارين منفصلين للنقاش، بل إطلاقاً مزدوجاً محسوباً لسردية واحدة جرى توزيعها بصيغتين مختلفتين؛ الأولى تتهم السعودية صراحة بتعطيل السفن، والثانية تعيد إنتاج الاتهام ذاته عبر إطار إنساني يربط الميناء بالغذاء والدواء وحقوق الإنسان.
ويرى التقرير أن هذا الأسلوب يهدف إلى تعظيم التأثير السياسي للحملة عبر إظهارها وكأنها تعبير عن قلق إنساني واسع، بينما تخدم في جوهرها خطاباً اتهامياً موجّهاً ضد الرياض، في توقيت تشهد فيه العلاقة بين السعودية والانتقالي حساسية متزايدة على خلفية اجتياح الانتقالي المسلح لمحافظات الشرق اليمني.

وبيّنت بيانات تحليل المشاعر أن الخطاب السلبي هيمن بشكل كاسح على الوسمين، إذ تجاوزت نسبته 87% في كليهما، مع حضور هامشي للمحتوى الإيجابي. واعتبرت منصة مسند أن هذا النمط يعكس توجّهاً تعبوياً قائماً على التصعيد والاتهام، أكثر من كونه نقاشاً حول واقعة قابلة للتحقق.
وأشار التقرير إلى أن الإطار الإنساني المستخدم في وسم #ميناء_عدن_شريان_الغذاء لم يغيّر من جوهر الرسالة، بل عمل على تلطيف الخطاب شكلياً وتوسيعه جماهيرياً، مع الإبقاء على الاتهام السياسي ذاته الموجّه للسعودية.
ورغم الاتساع الكبير في دائرة التفاعل، كشف التقرير أن إنتاج المحتوى الأصلي تمركز في 244 حساباً فقط، بينما جرى تضخيم الرسائل عبر آلاف الحسابات التي اكتفت بإعادة النشر.
ويُعد هذا النمط، وفق منصة مسند، مؤشراً شائعاً في الحملات السياسية المنسّقة، حيث تُضخ الرسائل من نقاط محددة ثم تُعمم سريعاً لخلق انطباع بضغط شعبي واسع.
كما رُصد نشاط مكثف لحسابات تمتلك سجلاً سابقاً في تداول خطاب سياسي مؤدلج، لعبت دوراً محورياً في ربط الادعاء غير المثبت بسرديات جاهزة عن "التجويع" و"العقاب الجماعي"، ما يضع الحملة في إطار صراع سرديات لا نقل وقائع.
وفي ذروة التفاعل، صدر نفي رسمي عن وزير الإعلام والثقافة والسياحة معمر الإرياني، أكد فيه عدم صحة الادعاءات المتداولة حول إيقاف تصاريح دخول السفن إلى ميناء عدن، مشدداً على أن حركة الملاحة مستمرة وأن تصاريح جديدة صدرت خلال الساعات الـ48 الماضية.
غير أن التقرير لفت إلى أن هذا النفي لم ينعكس على مسار الحملتين، إذ استمر تداول الاتهام بالحدة ذاتها، وهو ما يعزز – بحسب منصة مسند – قراءة الحملة بوصفها نشاطاً رقمياً مؤطراً سياسياً لا يتفاعل مع التصحيح، بقدر ما يسعى إلى تثبيت انطباع عام بوجود أزمة.
وخلصت منصة مسند إلى أن الحملة لا يمكن فصلها عن السياق السياسي الأوسع، إذ إن توجيه الاتهام للسعودية عبر خطاب إنساني مكثف يفتح باب مشاكسة سياسية غير مباشرة، ويضع الرياض في موقع الطرف المتهم أمام جمهور محلي وإقليمي، في وقت تحاول فيه إدارة توازنات معقدة في الجنوب اليمني.
وأكد التقرير أن ما جرى يمثل نموذجاً لهندسة تضليل سياقي، استُخدم فيه الاتهام الإنساني كأداة ضغط سياسي، بما يجعل الحملة أقرب إلى رسالة سياسية موجهة، لا إلى نقاش موضوعي حول واقع حركة السفن في ميناء عدن.