منذ أكثر من ثمانية أشهر، يعيش الشاب اليمني فؤاد العيدي وأسرته معاناة يومية في رحلة البحث عن والده المختطف من قبل أجهزة الأمن والمخابرات التابعة لميليشيا الحوثي، على غرار مئات الأسر اليمنية التي لا تجد إجابة عند سؤالها عن مصير ذويها المفقودين، في ظل صمت الجهات الرسمية التابعة للميليشيا، وخوف شعبي من الاقتراب من هذا الملف الحساس.
فؤاد، وهو شاعر شاب من محافظة عمران، تظهر منشوراته أنه مساند للميليشيا في مختلف مواقفها، نشر على صفحته في فيسبوك شهادة مؤلمة سرد فيها تفاصيل اختطاف والده، صالح بن صالح العيدي، ومعاناة أسرته التي تجهل مكان احتجازه أو حالته الصحية منذ سبتمبر من العام الماضي.
وبحسب روايته، فإن والده، وهو من منطقة "ذو عيد" بمديرية حوث في محافظة عمران، تلقى اتصالاً من عوض الطبيب، مدير البحث الجنائي الحوثي في المحافظة، طلب فيه حضوره إلى مقر الأمن، لبّى صالح الدعوة مطمئناً إلى وعد "الأمان"، لكنه ما إن وصل حتى جُرّد من هاتفه وسلاحه، وأودع في الحبس الاحتياطي.
يقول فؤاد إنه التقى بعوض الطبيب في اليوم التالي، والذي طمأنه بأن والده محتجز كـ"إجراء أمني بسيط" ليوم أو يومين، لتبدأ بعد ذلك رحلة طويلة من التيه والمناشدات، حيث انقضى أسبوع تلو آخر دون أي تقدم في قضيته.
كتب فؤاد في منشوره: "ثمانية أشهر وأنا لا أنام إلا ساعات قليلة، من القلق على والدي المريض الذي يحتاج أدوية بشكل مستمر. دموع أخواتي لا تتوقف، وكل من راجعته للوساطة أو للاستفسار عن مصيره إما يتهرب أو يهددني."
واستمر فؤاد في مراجعة عوض الطبيب طيلة شهر ونصف، على أمل أن العلاقة القديمة بين والده والطبيب ستساهم في إطلاق سراحه، لكنه صُدم لاحقاً حين اكتشف أن والده لم يعد في السجن الاحتياط، وعندما واجه الطبيب بالسؤال عن مصيره، رد عليه بحدة: "ما هو عليّ، وإذا رجعت للمكتب، سأحبسك!".
انتقلت الأسرة، بحسب رواية فؤاد، بين مكاتب المسؤولين الأمنيين في المحافظة، من عوض الطبيب إلى نايف أبو خرفشة، المشرف الأمني للحوثيين، ثم إلى جهاز "الأمن الوقائي" تحت إشراف شخص يُدعى أبو لقمان، دون الحصول على أي إجابة واضحة. وفي إحدى المرات، تلقى فؤاد تهديداً مباشراً بعد عودته للسؤال مجددًا.
عندما توجه إلى مكتب نايف أبو خرفشة، جاءه الرد: "هذا الموضوع مش عندنا، عند الوقائي، أبو لقمان."
ليبدأ فؤاد بعد ذلك رحلة جديدة للبحث عن أبو لقمان، وسط تحذيرات مبطنة من كل من سألهم عنه، وبعد جهود مضنية، حصل على رقم هاتف أبو لقمان، وبعد عدة محاولات، تمكن من الاتصال به، لكن أبو لقمان كان غاضباً وسأله: "من أين حصلت على رقمي؟".
في المكالمة، حاول فؤاد تهدئة المسؤول لمعرفة مصير والده، فجاءه الرد بأن والده "في دورة مغلقة، وليس محبوساً"، مضيفاً: "لا تقلق، أسبوع أو أسبوعين وسيعود للبيت."
لكن الأسابيع تحولت إلى أشهر، دون أي خبر، ودون أن يتمكن فؤاد من التواصل مجدداً مع أبو لقمان. ورغم مراجعاته المتكررة لمكتب مدير الأمن، لم يتلقَّ سوى ردود متكررة: "المدير غير موجود، والقضية بيد الأمن الوقائي، مش عندنا."
هكذا استمرت معاناة فؤاد وعائلته طوال ثمانية أشهر، في دوامة من الوعود المراوغة والتهديدات المتكررة.
وفي يوم أمس الأحد، 21 أبريل 2025، تلقى فؤاد اتصالاً من رقم مجهول، أخبره فيه المتصل بلهجة مشحونة: "أبوك مريض... تعبان... بين الحياة والموت... لماذا لا تتابعونه؟!".
يصف فؤاد لحظة سماعه للخبر بقوله: "شعرت وكأن الأرض انشقت وابتلعتني... لم أعرف ماذا أقول، ولمن أشتكي هذا الظلم؟ ومن سيرفعه عنا؟!"
ورغم مناشداته، ختم فؤاد منشوره بسؤال لا يزال معلقاً: "لمن نشتكي هذا الظلم؟!"، فيما تواصل سلطات ميليشيا الحوثيين صمتها، وتتسع مأساة أسرٍ مثل أسرة العيدي، التي لا تطالب سوى بكشف مصير ابنها، وتمكينه من حقه في الحياة والمعاملة الإنسانية.
وتعيد هذه القصة إلى الأذهان مآسي مئات المختطفين في سجون ميليشيا الحوثي، ممن تجاوزت فترات اختفائهم العشر سنوات، من بينهم السياسي اليمني المعروف محمد قحطان، المشمول بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216، والذي اختطف من منزله في صنعاء عام 2015، ولا يزال مصيره مجهولًا حتى اليوم.
وتؤكد منظمات حقوقية محلية ودولية ومختطفون سابقون أن للميليشيا سجوناً سرية ومقار احتجاز تعسفية لا تخضع لأي قوانين، تستخدمها الميليشيا للإخفاء القسري والتعذيب كأداة للقمع، وهو ما يجعل مئات الأسر اليمنية تعيش مآس مشابهة، في ظل غياب آليات فاعلة للرقابة أو لإنفاذ العدالة.