تتوسع شبكة الجبايات المفروضة على الشاحنات التجارية والناقلات النفطية في محافظات عدن ولحج وأبين، الواقعة تحت سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يستغل هذه الموارد لتعزيز نفوذه العسكري والأمني، في بلد يعيش واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.
وتشهد العاصمة المؤقتة احتجاجات شعبية، بسبب تدهور الخدمات الأساسية، وعلى رأسها خدمة الكهرباء التي تنقطع لساعات طويلة، في وقت تشهد فيه المدينة الساحلية ارتفاعا شديدا في درجات الحرارة، ورغم الجبايات الباهظة التي يفرضها المجلس المسيطر على المدينة منذ العام 2019، لا تلوح في الأفق أي بوادر لتحسين هذه الخدمة الحيوية مع حلول صيفٍ قائظ.
وخلال ديسمبر 2024، أنشأت القوات التابعة للمجلس نقطتين جديدتين لفرض الجبايات في منطقتي "الحسيني" بلحج و"عمران" بمديرية البريقة في عدن، وذلك عقب إزالة نقاط سابقة في منطقة الميناء بعدن، ويافع في لحج، وأيضاً نقاط في محافظة أبين، على إثر ضغط واعتصامات من قبل سائقي شاحنات نقل المشتقات النفطية والغاز احتجاجاً على الجبايات الباهظة التي تفرض عليهم.
وتُجبر الشاحنات التجارية المارّة بهاتين النقطتين على التوقف في ساحات تعرف بـ"الحوش"، حيث تُفرض رسوم تصل إلى 100 ألف ريال يمني مقابل تفتيش الحمولة والسماح لها بالمرور.
وبينما ظهرت نقاط إضافية لاحقًا، بقيت "الحسيني" و"البريقة" مركزين رئيسيين للتحصيل، في وقت تستمر فيه الجبايات الثقيلة على ناقلات الوقود، خصوصاً في محافظتي أبين وشبوة، حيث تُفرض رسوم تصل إلى 25 ريالا على كل لتر ديزل، وهي مبالغ يقول موردون إنها تفوق أحياناً أرباحهم التي يجنونها من بيع تلك الشاحنات.
وعلى الطرق البرية، خاصة الرابط بين عدن وشبوة، تدفع الشاحنات ما بين 600 إلى 800 ألف ريال، عند المرور عبر 22 نقطة جباية، منها نحو مئتي ألف ريال تُحصّل فيها الأموال بدون سندات رسمية، وفق عدد من المصادر.
ووفقاً لمصادر متفرقة وسائقين فإن أكثر مناطق الجباية تكلفة تلك الواقعة في محافظتي عدن وأبين.
كما تُفرض رسومٌ أيضاً على الطريق المؤدي من عدن إلى المخا، حيث تمر الشاحنات بـ5 نقاط جباية، بتكلفة تقريبية تصل الى نحو 300 ألف ريال بسندات، ومن عدن إلى تعز تمر الشاحنات بـ 8 نقاط جباية، ناهيك عن نقاط عشوائية، في مناطق كـ"الصبيحة"، تستخدم القوة لتحصيل الأموال من السائقين.
ورغم موجة احتجاجات واعتصامات نظمها سائقو شاحنات الوقود منتصف وأواخر العام الماضي 2024، أدت إلى رفع مؤقت لبعض النقاط لا سيما في محافظة أبين، إلا أن الجبايات عادت لاحقا بشكل أكبر وأكثر ضراوة، وفق ما أفاد به سائقون.
ولا تتبع هذه النقاط جهة رسمية واضحة حالياً، وقد كانت سابقاً تحت إدارة اللجنة الاقتصادية التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، التي يرأسها وسيم العمري، قبل أن يُعزل إثر اتهامات بالفساد، فيما تشير المعطيات إلى أن الشخصيات المسيطرة حالياً هم قيادات ومسؤولون مرتبطون بالحكومة ومحسوبون على المجلس الانتقالي الجنوبي، وشخصيات مرتبطة بالقوات العسكرية التابعة للمجلس.
وكانت تقارير صحفية صدرت منتصف العام الماضي 2024، قدرت الجبايات غير القانونية المفروضة من قبل "الانتقالي" بنحو 21 مليار ريال يمني شهرياً، أي ما يعادل 204 مليون دولار سنوياً، (بسعر الصرف في حينه)، مشيرة إلى أنه يتم تحصيلها من الموانئ والطرقات والأسواق والبنوك وشركات الوقود وغيرها.
وبحسب تقرير صادر عن "مؤسسة خليج عدن للإعلام"، فالمجلس يستغل هذه الأموال "لصالح شبكات النفوذ العسكري والأمني"، وتُصرف بأوامر مباشرة من رئيس المجلس عيدروس الزبيدي، وتشمل مكافآت ورواتب لقواته المسلحة، التي تُقدّر بعشرات الآلاف من المقاتلين.
في الوقت ذاته، يواجه المواطنون أزمات حادة في الخدمات الأساسية، كالكهرباء والمياه، وارتفاع الأسعار، مع انهيار مريع في سعر العملة المحلية، يعجز معه كثير من التجار عن الاستمرار في نشاطهم الاقتصادي.
وسبق لمصنع "الوحدة" للأسمنت أن هدد بتسريح مئات العمال وإيقاف نشاطه نتيجة مضايقات شاحناته في نقاط الانتقالي، بحسب التقارير ذاتها، وتفرض سلطات المجلس رسوما إضافية على شركات الإسمنت تصل إلى أكثر من 100 ريال على كل كيس، تحت مبرر "الدعم الأمني والعسكري"، تُورد إلى حسابات في شركات صرافة محلية.
وكان المجلس الانتقالي سيطر على عدن وما جاورها بدعم إماراتي في أغسطس 2019 بعد مواجهات مسلحة مع الحكومة اليمنية، وتالياً في 2020، أعلن المجلس ما أسماه "الإدارة الذاتية" للمحافظات الجنوبية، قبل أن يتراجع عنها تحت الضغط وينضم إلى مجلس القيادة الرئاسي في أبريل 2022، ومع ذلك، واصل المجلس فرض سيطرته على تلك المحافظات واستثمار عائداتها لصالح مشروع الانفصال الذي يتبناه.
وتثير توسّع الجبايات وسط الانهيار الاقتصادي موجة من القلق الشعبي، فيما تستمر الدعوات للحد من النهب المنظم للموارد العامة وإعادة تفعيل مؤسسات الدولة.