"المداعة" هو الاسم اليماني للنرجيلة في الشام، أو الشيشة في مصر، وإن كانت تمتاز عنها بخصائص فريدة من حيث الشكل، ونوع التبغ المستخدم فيها، وطريقة إعداده، بالإضافة إلى نكهتها الخالية من النكهات الصناعية الموجودة في "المعسل".
وتمتاز المداعة اليمنية بهوية فريدة لها، باعتبارها صانعة لمزاج اليمنيين، وأوقات "الكيف" لديهم، حيث تلازمهم في جلسات مضغ القات، وحتى وقت قريب لا يكاد يخلو بيت يمني منها، وخصوصاً في المناطق الشمالية والوسطى في البلاد.
وعلى الرغم من أن النرجيلة صارت بديلة للمداعة في عدة مناطق يمنية، إلا أنها تظل لدى الكثيرين "وسيلة لصناعة المزاج"، وخصوصاً كبار السن، إذ اعتادوا تدخينها خلال ساعات مضغ القات التي تمتد من بعد الظهر إلى المغرب، وأحياناً حتى منتصف الليل. كذلك شهدت الآونة الأخيرة انتشار المداعة في أوساط الشباب، ولا سيما الإناث اللواتي يرين أن مذاقها يميزها عن الشيشة والسجائر، فمكوناتها طبيعية، حيث يستخدم فيها التنباك (التبغ) البلدي، والفحم الطبيعي.
ولا تزال المداعة اليمنية حاضرة بقوة في اللوكندات، وهي استراحات شعبية منتشرة في المحافظات اليمنية، وتعد نزلاً لذوي الدخل المحدود، وخصوصاً فئة العمال والغرباء الذين تتقطع بهم السبل، وأبناء القرى في حال زيارتهم للمدن.
تتكون المداعة اليمنية من قطعة نحاسية مجوفة، تتسع من الوسط، ومكسوة من الداخل بالخشب، وتسمى (الجحلة) وتُملأ بالماء، ولها أعمدة صغيرة تصنع في الغالب من النحاس، وتتصل من فتحتها في الأعلى بعمود خشبي أسطواني يسمى (القطب)، وهو مجوف مغطى من الخارج بزخارف رصاص، وينتهي برأس أسطواني مفتوح من الأعلى.
وللمداعة رأس يسمى البُوْري، يصنع من المدر الطيني (الفخار)، وفيه يوضع التنباك، أو ما يسمى (التُتَن) لدى اليمنيين، وهو التبغ المجفف، حيث يُقطَّع إلى أجزاء صغيرة ويُرطَّب بالماء، ثم يُخرَج الماء منه، ويُوضَع (التُتَن) على البوري، ثم يُوضَع الجمر (الفحم المشتعل) المصنوع من أنواع محددة من حطب الأشجار، وعلى رأسها شجرة العسق.
وتضم أجزاء المداعة أيضاً القصبة، ويصل طولها إلى ما بين 3 إلى 6 أمتار، وتصنع من هيكل حديدي حلزوني، مغطى بالجلد، وتُزيَّن بالقماش متعدد الألوان الذي يضفي عليها شكلاً جمالياً. وللقصبة رأسان من الخشب المزخرف، يبدو كل رأس كما لو أنه لوحة فنية منحوتة، يوصل أحدهما بالمداعة، والآخر يستخدم لسحب الدخان، ويسمى المشرب.
وتحوي المدن القديمة في اليمن محلات خاصة بإصلاح المداعة يدوياً في حال تعرضها للكسر، وهو ما يمنح المداعة عمراً أطول، لتتوارثها الأجيال داخل الأسرة جيلاً بعد جيل. كذلك يضفي الشكل المميز للمداعة، والنقوش التي تزين جسمها طابعاً تقليدياً يجعلها بمثابة تحفة فنية تزين البيوت اليمنية، وخصوصاً القديمة المبنية على الطراز التقليدي، حيث تتوسط ديوان البيت الذي يستخدم لاستقبال الضيوف وقضاء ساعات القيلولة.
وحالياً تستخدم الآلات في صناعة أجزاء المداعة، لكن عدداً من الحرفيين لا يزالون متمسكين بصناعتها يدوياً، ويوجد هؤلاء الحرفيون في عدد من المناطق، أبرزها مدينة صنعاء القديمة، وفي المدن اليمنية القديمة، والأسواق التقليدية، حيث إنّ المداعة المصنوعة يدوياً هي الأعلى جودة والأغلى سعراً من تلك التي تدخل الآلات في صناعتها. وعلى الرغم من كثرة التكاليف والوقت والجهد المصاحب للصناعة اليدوية، إلا أنها لا تزال مطلوبة لدى الكثير من الزبائن، باعتبارها تحفة فنية ومكوناً أساسياً لا بد من وجوده في أي منزل يمني، ومصدر فخر لمالكها.
وتعد المداعة اليمنية من المقتنيات الثمينة، حيث يصل سعر العادية منها إلى 100 دولار، وقد تصل أسعار الأنواع الفاخرة منها إلى 1000 دولار، إذ يعتمد السعر على طول المداعة وحجمها، ونوع النحاس المستخدم في صناعتها، والنقوش التي تزيها، بالإضافة إلى مكونات قصبتها وطريقة صنعها.
وارتبطت المداعة بالإنسان اليمني خلال مراحل التاريخ المختلفة، وظلت محافظة على شكلها وتفاصيلها دون تغيير، باعتبارها رمزاً يمنياً، ومعلماً من معالم هذا البلد العريق. كذلك حضرت المداعة في كثير من الأعمال الأدبية، ولعل أشهرها نص (المداعة) للشاعر العربي أدونيس، وهو نص طويل كتبه في عام 2004.