الرئيسية من نحن النسخة الكاملة
تحسن الريال اليمني مهدد بالتلاشي وسط فوضى الصرافة.. والأسعار ترفض الهبوط!
الخميس 7 أغسطس 2025 الساعة 12:57
يمن سكاي - المصدر أونلاين

شهد الريال اليمني تحسناً حاداً أمام العملات الأجنبية خلال الأسبوع الأخير، إذ هبط الدولار من نحو 2,900 ريال إلى حدود 1,800، وتراجع الريال السعودي من 750 إلى نحو 425–428 ريالاً، عقب إجراءات للبنك المركزي في عدن شملت إغلاق شركات صرافة وسحب تراخيصها.

لكن هذا التحسن، الذي كان يُفترض أن ينعكس على حياة المواطنين، اصطدم بواقع سوق تعصف به الفوضى المالية وغياب الرقابة، حيث ما زالت الأسعار شبه ثابتة، فيما تُحتجز العملة الصعبة خارج القنوات الرسمية في يد شركات وأفراد.

أين الخلل؟

في الأنظمة المالية، يعتبر بيع العملة الصعبة للتجار والمستوردين اختصاصاً حصرياً للبنوك والبنك المركزي تحديداً، عبر آليات رسمية تخضع للرقابة، لكن سنوات الحرب تركت فراغاً كبيراً سمح لشركات الصرافة بالتحكم في تدفق العملات، ما خلق سوقاً موازية ضخمة تعمل بمعزل عن أي إشراف حقيقي.

وبخلاف دول مثل مصر أو الأردن وغيرها، حيث يخضع شراء العملات الصعبة لإجراءات تحقق دقيقة وأخذ بيانات المشتري، أو السعودية ودول الخليج حيث تقتصر الصرافة على شركات معدودة مرخصة وتحت رقابة مشددة، فإن السوق اليمنية تضم مئات الشركات والمنشآت التي تدير مليارات الدولارات خارج النظام المصرفي، مما يسهّل المضاربة وغسيل الأموال وتمويل أنشطة غير مشروعة.

ومع تحسن سعر الصرف، انبرى الصرافون للشراء دون البيع، وكسبوا أرباحاً طائلة حملوها من سعر الهبوط استعداداً لاستثمارها وبيعها مجدداً حين الصعود كما يحصل كل مرة، وهي عملية مضاربة تمثل جريمة قانونية، لكنها طبيعية بالنسبة للصرافين في ظل غياب الرقابة.

من جانبهم، أكمل التجار بيع اليوم الأول بعد هبوط الصرف واتجهوا لشراء عملة صعبة كي يضمنوا بها مكاسبهم، لكن الصرافين رفضوا البيع بالسعر الرسمي، ما دفع التجار لإعادة رفع الأسعار.

الصحفي علي عويضة نشر رسالة لتاجر إلكترونيات جاء فيها: "معي أكثر من 5 مليون ريال بعتها على صرف 425، ولي يومين لم أجد صراف أو بنك يبيع لي بالسعر الرسمي. كل بضاعتي بالعملة الأجنبية. الصرافون يشترون حتى لو معك مليون دولار لكن لا يبيعون. ممكن أشتري من سوق سوداء لكن أرفض حتى لا أنميها. كيف أبيع على 425 ولم أجد شراء حتى بـ550؟".

ما يقوم به التجار غير قانوني بالطبع، لكنهم يتحججون بالاستيراد من صنعاء التي بات نظامها المالي مستقلاً، وهم مضطرون لشراء العملة الصعبة من أجل تحويلها للمستوردين هناك، فيما البنك سيعلن عن مزادات لن يحصل عليها الا كبار المستوردين.

ولذلك، في محافظات عدن، حضرموت، مأرب، تعز، وشبوة، يقول المواطنون إن الأسواق شهدت انخفاضاً محدوداً في أسعار بعض السلع في اليوم الأول لانخفاض الصرف، لكن هذا الأثر سرعان ما تلاشى.

يقول أحد المواطنين من مأرب: "في أول يوم، هبطت الأسعار في بعض الأسواق. قطعة كنت أشتريها بـ12,700 ريال، اشتريتها بـ7,200. لكن من اليوم الثالث رجعت الأسعار للارتفاع، لأن التجار ذهبوا لشراء عملة صعبة لضمان أسعار مبيعاتهم، والصرافون رفضوا البيع".

وفي عدن، تداول ناشطون فواتير من مطاعم أظهرت خصومات لا تتجاوز 200 ريال للصنف الواحد، رغم انخفاض سعر الصرف بنسبة تفوق 45%. كما انخفض سعر دبة الديزل من 39 ألف ريال (53 ريال سعودي) إلى 31,600 ريال (75 ريال سعودي وفق السعر الجديد)، ما يعني أن التحسن بالعملة المحلية ترافق مع ارتفاع بالقيمة الفعلية بالعملة الأجنبية.

وفي أحياء كريتر والشيخ عثمان، أغلقت محلات أبوابها رفضاً للتسعيرة الجديدة، وواصلت البيع من خلف الأبواب بالتسعيرة القديمة، في حين شنت السلطات حملات ضد بعض المخالفين.

أما في تعز، فيقول مواطنون إن التجار يرفضون البيع وفق تسعيرة وزارة الصناعة والتجارة المبنية على سعر صرف 420–425 ريالاً، ويطلبون الدفع بالعملة الصعبة أو على أساس سعر صرف 550 ريالاً للسعودي.

مواطن من مأرب يروي للمصدر أونلاين: "اشتريت كيس بر بـ46 ألف ريال. قبل التحسن كنت أصرف الـ100 السعودي بـ78 ألف وأشتري الكيس بـ56 ألف. الآن أصرفها بـ42 ألف وأشتريه بـ46 ألف".

التقارير من مأرب تكشف عن فوارق سعرية تصل إلى 6,000 ريال للسلعة الواحدة بين متجر وآخر، مثل كرتون حليب البقري الصغير الذي يباع عند أحد التجار بـ14,800 ريال وفي متجر آخر بـ20,800 ريال.

مكتب التربية في مأرب أعلن تخفيض الرسوم الدراسية في المدارس الأهلية بنسبة 15% فقط، رغم أن تراجع سعر الصرف بلغ نحو 45%. الصحفي سعد القاعدي علّق قائلاً: "كنت تدفع 500 ألف ريال لمدرسة ابنك عندما كان الصرف 750، والآن تدفع 425 ألف بعد التخفيض، لكن سعر الصرف صار 425 ألف للألف ريال سعودي. النتيجة: ولا استفدت شيئ".

خبراء اقتصاديون يؤكدون أن المشكلة الجذرية تكمن في بقاء السيولة النقدية الضخمة خارج البنوك، ما يتيح استخدامها في المضاربة بالعملة وتمويل أنشطة غير مشروعة مثل غسيل الأموال والتهريب والتهرب الضريبي. ويشيرون إلى أن استمرار هذا الوضع يجعل أي إجراءات للبنك المركزي بلا جدوى ما لم تُفرض رقابة صارمة، ويُختصر نشاط الصرافة على شركات معدودة مرخصة، وتُعاد السيولة إلى الجهاز المصرفي.

في النهاية، يبيع المواطن عملته الأجنبية بسعر منخفض، لكنه يشتري احتياجاته بأسعار شبه ثابتة، في ظل سوق غير منضبطة وسيولة متفلتة، وهو مشهد يوصف بأنه "تحسن ورقي" يظهر على جداول الصرف، لكنه لا يصل إلى موائد الأسر اليمنية.

لكن مواطناً آخر يرد بأنه يستلم راتبه بالعملة المحلية، فإذا كان المواطن الذي يستلم راتب 60 ألف ريال يشتري سابقاً كيس الطحين بـ56 ألفاً، ويبقى له أربعة آلاف من راتبه، فإنه الآن يشتريه فقط بـ45 ألفاً، ويبقى له من راتبه الربع، 15 ألف ريال.

متعلقات