الرئيسية من نحن النسخة الكاملة
تهور قاتل في وسط السيول.. مشاهد مأساوية يمنية تتكرر كل عام
الأحد 31 أغسطس 2025 الساعة 13:31
يمن سكاي - المصدر أونلاين

مع كل موسم أمطار وتدفق للسيول الجارفة في اليمن، تتكرر المشاهد المأساوية؛ سائقون يغامرون بقطع هذه الفيضانات بمركباتهم، وكأنهم يتحدون الطبيعة، غير مدركين أن خطوة واحدة متهورة قد تزهق أرواحهم ومن على مركباتهم، وبالفعل فقد عشرات اليمنيين حياتهم جراء هذه الممارسات الغير المحسوبة والمتنامية من عام لآخر، لتتحول لحظات التهور إلى مآسي لا تُنسى.

هذه المشاهد التي نراها مع كل موسم ماطر رغم التحذيرات المستمرة من الجهات المعنية، لا يكتفي خلالها السائق غالباً للأسف، بالعبور بمفرده، بل يأخذ معه عدد من الأرواح في رحلة الموت تلك، مضاعفاً قصص الحزن وعدد الثكالى واليتامى من المواطنين الأبرياء.

في 19 يوليو الماضي، أودى حادث شهير بحياة أسرة كاملة في محافظة إب وسط البلاد، حيث جرفت السيول سيارة المواطن اليمني الذي يحمل الجنسية الأمريكية أيضاً، بعد أن غامر في تجاوز سيل المشنة بجوار السجن المركزي بالشارع الخلفي لشارع تعز بمدينة إب مركز المحافظة، في مشهد فاجع لكل من شاهده.

وفي الأيام الماضية، تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع مؤلمة توثق مغامرات خطرة؛ مركبات تُصر على اقتحام السيول قبل أن تجرفها المياه في مشاهد مروعة، بعضها قديم وأخرى حديثة، رافقها سيل من الانتقادات الشعبية ضد هذا السلوك المميت.

جاء إعادة تداول هذه المشاهد القاسية تفاعلاً مع حوادث جديدة، لم يستفد مغامروها من دروس الحوادث السابقة، كما حدث الأسبوع قبل الفائت مع طقم أمني في عدن، كان على متنه أكثر من سبعة أشخاص، وأصر على المجازفة رغم تحذيرات من حوله وانقلب بمن فيه موقعاً عدد من الضحايا.

وتزامن ذلك مع حادثين منفصلين في محافظة لحج، حيث تمكن الدفاع المدني من إنقاذ 6 أشخاص بعد جرف السيول لسيارتين، الحادث الأول كان لمركبة هيلوكس، أنقذ منها 5 أشخاص، بينما توفي السادس، أما الحادث الثاني، فكان لسيارة لاند كروزر قادمة من صنعاء، توفي سائقها وانتُشلت جثته على بعد كيلومترين، فيما نجا آخر.

وأرجع الدفاع المدني الحادثتين إلى المغامرة والتهور واللامبالاة بمخاطر السيول من قبل سائقي المركبات.

وشهدت سائلة "بله" بمحافظة لحج أيضاً مجازفة مماثلة لم يستمع السائق فيها الى صراخ عشرات المواطنين المتجمعين حول السيول وجازف بنفسه ومن كان على متن سيارته التي جرفتها السيول، ما أدى لإصابة عشرة أشخاص وإنقاذهم بصعوبة وبوسائل بدائية، ووثق ناشطون تلك الحادثة.

وتساءل الناشط محمد علي العولقي، بعد أن أرفق فيديو في صفحته بمنصة فيسبوك، يوثق جانبا من المجازفة للعبور وسط السيول وجرف الأخيرة للسيارة بمن كان على متنها، قائلا: لماذا يصر البعض على المجازفة بحياته وحياة أسرته بدخول السيول؟ مضيفا: إصابة 10 اشخاص جراء انقلاب سيارة في سائلة "بله"!.

وفي محافظة لحج أيضا، وثق نشطاء مقاطع فيديو لمجازفات أخرى مماثلة لسائقين يعبرون السيول في وداي معادن بمديرية "طورالباحة"، حيث تعثرت إحدى السيارات وسط السيل، وكان على متن السيارة قرابة تسعة أشخاص بينهم طفلين، في الوقت الذي تمكن من كان على متن السيارة بالنجاة.

ولم تتوقف حوادث المغامرات الجنونية في محافظة لحج، إذ وثق مواطنون مغامرة أخرى لسائق سيارة صالون في سائلة الملاح بمديرية "المضاربة والعارة"، حيث جرفت السيول السيارة ومن كان على متنها.

وتعليقا على الحادثة، قال الناشط محمد عبدالله الشريحي في صفحته بمنصة فيسبوك: "المجازفة وسط السيول ليست شجاعة… إنها تهور قاتل!، حين يقرر السائق أن يقطع السيول الجارفة، وهو يحمل بشرا فوق السيارة، فإنه يضع حياة الجميع على حافة الموت.

وأضاف: "القوانين الفيزيائية واضحة.. قوة اندفاع المياه تفوق قدرة أي مركبة على الثبات.. فقدان السيطرة لحظة واحدة يعني الانجراف، والانجراف يعني الكارثة. المغامرة في السيول ليست بطولة تُذكر… بل مأساة تُكتب، السلامة مسؤولية… والتعقل نجاة".

الناشط نصر حاجب كتب في حسابه على منصة فيسبوك، معلقا على حوادث المغامرات الجنونية بالقول: "ما يقرح القلب الا لما نشاهد الفيديوهات لسيارات وشاحنات يتجاوزون السيل وينتهي بهم الامر الى الغرق السيارة بحمولتها كامل وكذلك الشاحنات"

وأضاف: "سؤالي لسائقي السيارات والشاحنات الذين يقطعون السيل. ايش يقولكم عقولكم يعني هل بتصيروا أبطال في المجتمع او هل هي من المرجلة المجازفة بأرواح الناس أو هل بيتم منحكم وسام الشجاعة بعد قطع السيل؟".

وختم متسائلا: "ما هو العقل الذي يخليك تجازف بأرواح الناس الذي معك وبالنهاية منظر مأساوي وتفتح أحزان لعدة بيوت؟؟؟!!! لاحول ولا قوة الا بالله العلي العظيم، صدقوا الأولين (طريق الأمان ولو مسيرة ثمان)".

سائقو شاحنات النقل الثقيل، رغم خبرتهم الطويلة في القيادة، لا تزال فكرة المجازفة تراودهم أحياناً، حيث جرفت سيول في المراوعة بمحافظة الحديدة شاحنة نقل ثقيل تحمل قطيعاً من الماشية، بعدما حاول سائقها عبور السيول معتقداً أن وزن الشاحنة وثقلها سيساعدانه على المرور، اختل توازنه أثناء القيادة، ليجد نفسه ينساب مع جريان السيل.

وعلق الناشط "صالح كنيد" على الحادثة قائلاً: "السائق حاول المجازفة بعبور الوادي، وهنا لا يكمن الخطر فقط في قوة جرف السيل، بل في اختلال التوازن الذهني للسائق عند مواجهة المياه الجارفة، فقد يخيل له أنه يتحرك في الاتجاه المعاكس، فيتسبب ذلك في ارتباك وتشوش، ليجد نفسه في النهاية يسير مع مجرى السيول دون وعي".

وأرفق "كنيد" مقطع فيديو للحادثة، موضحاً أن ما جرى يُعد مثالاً حياً لتأثير السيول على قرارات السائقين، ودعا جميع السائقين إلى توخي الحذر، وعدم المجازفة، والانتظار حتى انخفاض منسوب المياه قبل محاولة العبور.

وفي حادثة مماثلة في الحديدة، أنقذ مواطنون سائق شاحنة نقل مياه "وايت" بعد أن تجاهل تحذيراتهم بعدم عبور وادي زبيد أثناء السيول، جرفته المياه رغم تدخل الأهالي لإنقاذه، وتمكنوا من إنقاذ حياته، لكنه خسر شاحنته بالكامل بسبب لحظة تهور لم يفكر فيها بشكل منطقي وواقعي.

المثير للاستغراب أن المغامرات الخطيرة ليست محصورة بالسائقين فقط، بل تشمل بعض المسؤولين أيضاً، إذ وثّقت الكاميرات مرور موكب محافظ حضرموت وسط السيول، وهو أمر أثار استياء واسعاً في المجتمع، لما يمثله من سلوك غير مسؤول من قيادات يفترض أن تكون قدوة للمواطنين في المحافظة.

متعلقات