مقدمة

بعد أكثر من ستة عقود على اندلاع ثورة 26 سبتمبر 1962، التي غيّرت مسار التاريخ اليمني، يظل البحث في جذورها ومساراتها وتداعياتها حاضرًا بقوة في الذاكرة الوطنية. كتاب "ثورة 26 سبتمبر (دراسات وشهادات للتاريخ)" يمثل أحد أبرز الإصدارات التي حاولت الإحاطة بهذا الحدث المفصلي، عبر جمع دراسات بحثية وشهادات حية لعدد من الضباط والمثقفين والسياسيين الذين عاصروا الثورة أو شاركوا في صناعتها.

محتوى الكتاب

يرتكز الكتاب على ثلاث محاور رئيسية:

1.         الدراسات التحليلية

يقدم نخبة من الباحثين قراءات معمقة لخلفيات الثورة، ابتداءً من نظام الحكم الإمامي وما شكّله من عزلة وتخلف، مرورًا بمقدمات التغيير التي قادتها الحركة الوطنية منذ أربعينيات القرن الماضي، وصولًا إلى لحظة الانفجار الثوري في 26 سبتمبر.

2.         الشهادات الحية

يضم الكتاب شهادات ضباط ومثقفين شاركوا أو عاصروا الثورة. من أبرزها:

• شهادات ضباط الصف الجمهوري الأوائل الذين تحدثوا عن صعوبة التحرك ليلة الثورة، وضغوط الوقت، والخوف من انكشاف أمرهم قبل ساعة الصفر.

• روايات بعض العسكريين الذين أكدوا أن نجاح الثورة ارتبط بشجاعة مجموعة صغيرة من الضباط الأحرار الذين خاطروا بحياتهم في مواجهة جيوش الإمام.

•    شهادات مثقفين وناشطين سياسيين أشاروا إلى أن الثورة لم تكن مجرد انقلاب عسكري، بل ثمرة حراك وطني طويل الأمد بدأ منذ عقود، وأسهم فيه الأدباء والمعلمون والطلاب.

•   شهادات أخرى كشفت عن الخلافات داخل الصف الجمهوري بعد أيام الثورة الأولى، خاصة حول طبيعة الحكم الجديد ودور القوى التقليدية فيه.

3.         التجربة السياسية والاجتماعية

يسلّط الكتاب الضوء على التغييرات التي أحدثتها الثورة في بنية الدولة والمجتمع: من بناء مؤسسات الجمهورية الأولى، إلى محاولات صياغة دستور حديث، ومن الإصلاحات التعليمية والصحية إلى الصراع مع القوى التقليدية.

أهم ما يميز الكتاب

•           التوثيق الشامل: يجمع بين الطابع الأكاديمي والدليل الشفوي، وهو ما يخلق صورة متكاملة للحدث.

•           تعدد الأصوات: يتيح للقارئ الاطلاع على رؤى متنوعة من داخل الصف الجمهوري وخارجه.

•           الربط بين الماضي والحاضر: بعض الدراسات تتناول كيف انعكست أحداث الستينيات على مسارات اليمن اللاحقة، وصولًا إلى الواقع الراهن.

دلالات الكتاب اليوم

قراءة هذا الكتاب لا تقتصر على استرجاع وقائع تاريخية، بل تحمل رسالة سياسية وفكرية لليمنيين اليوم. فهو يذكّر بأهمية الثورة كتحول جذري في مسار الدولة والمجتمع، ويبرز التضحيات التي قدّمها جيل بأكمله في سبيل التحرر من الاستبداد والعزلة. كما أنه يفتح باب النقاش حول سؤال الدولة والهوية الوطنية، الذي ما زال مطروحًا حتى اللحظة.

خاتمة

يبقى كتاب "ثورة 26 سبتمبر (دراسات وشهادات للتاريخ)" وثيقة مهمة للأجيال الجديدة، لفهم سياق الثورة اليمنية الكبرى، وتقدير حجم التحولات التي أحدثتها. إنه ليس مجرد سرد لتاريخ مضى، بل مرآة لوقائع ما زالت تؤثر في الحاضر والمستقبل، ورسالة بأن الدفاع عن قيم الحرية والجمهورية ما يزال معركة ممتدة.