مقدمة

 

تُعد مذكرات الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، شيخ مشايخ قبيلة حاشد ورئيس مجلس النواب اليمني الأسبق، واحدة من أهم المراجع التي تؤرخ لمسار اليمن الحديث، منذ سقوط الحكم الإمامي وثورة 26 سبتمبر 1962، مرورًا بمرحلة الصراع الجمهوري–الملكي، وحتى أحداث العقود الأخيرة من القرن العشرين.

 

 

المذكرات الصادرة في كتاب ضخم، ليست مجرد سرد ذاتي، بل شهادة سياسية واجتماعية تسلط الضوء على محطات محورية في تاريخ اليمن، من موقع رجل كان حاضرًا في قلب الأحداث وصانعًا لعدد من قراراتها.

 

الشيخ الأحمر والثورة والجمهورية

 

يبدأ الشيخ عبدالله مذكراته برواية بدايات وعيه السياسي والقبلي في مرحلة حكم الإمام أحمد يحيى حميد الدين، وكيف مهد ذلك للسخط الشعبي والثورة.

 

يروي تفاصيل مشاركته في دعم ثورة 26 سبتمبر، ويكشف عن توازناته القبلية والعسكرية التي كان لها دور في تثبيت النظام الجمهوري في وجه الهجمات الملكية المدعومة خارجيًا.

كما يوضح علاقته بالضباط الأحرار، ودوره في مد جسور الدعم بين القوى القبلية والجمهورية الناشئة.

 

العلاقات القبلية والسياسية

 

تتطرق المذكرات إلى الدور الذي لعبته قبيلة حاشد في دعم الجمهورية، وكيف استطاع الشيخ الأحمر أن يوازن بين الزعامة القبلية والعمل السياسي المؤسسي.

ويخصص فصولًا للحديث عن علاقته بالقيادات السياسية اليمنية، وفي مقدمتها الرئيس إبراهيم الحمدي، والرئيس علي عبدالله صالح، كاشفًا عن محطات التوافق والتوتر التي شكلت مسار الدولة.

 

تأسيس حزب الإصلاح ودوره السياسي

 

تحتل مرحلة تأسيس التجمع اليمني للإصلاح عام 1990 مكانة بارزة في المذكرات.

يوضح الشيخ عبدالله كيف جاء الإصلاح كتيار سياسي ذي جذور إسلامية وقبلية، ليشارك في التجربة الديمقراطية الوليدة عقب تحقيق الوحدة اليمنية.

كما يستعرض التحديات التي واجهها الحزب، وعلاقته ببقية القوى السياسية، سواء في إطار التحالفات أو الصراعات التي عصفت بالحياة السياسية اليمنية.

 

العلاقة مع السعودية والإقليم

 

تفرد المذكرات مساحة واسعة للحديث عن علاقة الشيخ الأحمر التاريخية بالمملكة العربية السعودية، ودور تلك العلاقة في دعم النظام الجمهوري من جهة، والتأثير في توازنات السياسة الداخلية من جهة أخرى.

كما يتطرق إلى أدوار إقليمية ودولية في اليمن، وكيف تداخلت مع الصراع الداخلي وأسهمت في تشكيل ملامح المرحلة.

 

قراءة في المذكرات

 

أهمية التوثيق: المذكرات تقدم شهادة مباشرة من شخصية قبلية وسياسية كانت في صلب التحولات، وهو ما يجعلها مصدرًا مهمًا لفهم التفاعلات اليمنية المعقدة.

 

الزاوية القبلية: تكشف المذكرات عن الدور المحوري للقبيلة في تشكيل مسار الدولة اليمنية، وهو جانب ظل غائبًا أو مهمشًا في كتابات كثيرة.

 

الجرأة السياسية: لم يتردد الشيخ الأحمر في الحديث عن الخلافات الحادة مع رؤساء وقادة سياسيين، أو في كشف كواليس أحداث كبرى مثل اغتيال الرئيس الحمدي أو حروب صعدة.

 

خاتمة

 

تأتي مذكرات الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر لتشكل إضافة نوعية في المكتبة اليمنية والعربية، باعتبارها وثيقة شخصية وسياسية تسلط الضوء على نصف قرن من تاريخ اليمن.

هي ليست مجرد سيرة ذاتية لزعيم قبلي بارز، بل قراءة من الداخل لمسارات الثورة والجمهورية والوحدة والديمقراطية، بكل ما فيها من صراعات وتعقيدات.

إنها شهادة حية على مرحلة ما زالت آثارها ممتدة حتى اليوم، وتبقى مرجعًا لا غنى عنه لكل باحث أو مهتم بالشأن اليمني.