تظل ثورة 26 سبتمبر 1962 محطة فارقة في التاريخ اليمني الحديث، إذ لم تكن مجرد تغيير سياسي في قمة السلطة، بل ثمرة تراكم طويل لحراك وطني قاده المثقفون والطلاب والمعلمون والضباط الأحرار، وساهم في وضع اليمن على سكة الجمهورية بعد قرون من العزلة تحت حكم الإمامة. كتاب "ثورة 26 سبتمبر (دراسات وشهادات للتاريخ)" يكشف عبر دراسات معمقة وشهادات حية أبعاد هذا الحدث التاريخي، ويضعه في سياقه الوطني والفكري.
خلفيات الثورة
يقدم الكتاب قراءات معمقة لخلفيات الثورة، بدءًا من طبيعة النظام الإمامي الذي فرض العزلة والتخلف على اليمن، مرورًا بالتحولات الأولى التي فجّرها رواد الحركة الوطنية منذ أربعينيات القرن الماضي، مثل "حركة الأحرار"، وصولًا إلى لحظة الانفجار الثوري في 26 سبتمبر.
تؤكد الدراسات أن الثورة لم تكن وليدة ليلة واحدة، بل حصيلة وعي متراكم، وصراع طويل ضد الاستبداد والانغلاق، شارك فيه سياسيون ومثقفون، وأجيال من الطلاب والأدباء الذين سعوا لفتح أبواب التعليم والتنوير في بلد عانى من العزلة والجهل.
شهادات المناضلين والمثقفين
يضم الكتاب شهادات بارزة لعدد من الناشطين والمفكرين الذين عاصروا تلك المرحلة، وأجمعوا على أن ثورة سبتمبر لم تكن مجرد انقلاب عسكري بحت، بل حركة وطنية شاملة.
عبد الله جزيلان (أحد الضباط الأحرار): أكد أن مقدمات الثورة بدأت منذ عقود عبر نضالات الأحرار في الداخل والخارج، وأن الانفجار في 1962 كان تتويجًا لحراك ممتد لا يمكن اختزاله في التحرك العسكري فقط.
المناضل أحمد محمد نعمان: أشار في شهاداته ومراسلاته إلى أن الثورة جاءت نتيجة وعي سياسي وثقافي نما بين الأجيال الجديدة من المعلمين والطلاب والأدباء الذين قاوموا الانغلاق الإمامي.
محمد محمود الزبيري (شاعر الثورة): رأى أن القصيدة والخطاب الثقافي كانا في صلب معركة الوعي، وأن الثورة السياسية لم تكن لتنجح لولا الثورة الفكرية التي سبقتها.
شهادات ناشطين سياسيين ومثقفين آخرين: شددت على أن الثورة حملت معها حلم الدولة الحديثة، وأن جذورها تمتد إلى الحركات الإصلاحية التي نشطت منذ أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، حيث لعبت الجاليات اليمنية في عدن والقاهرة أدوارًا محورية في نقل الفكر الحديث وربط اليمن بالعالم العربي.
دلالات الشهادات
تؤكد هذه الشهادات أن ثورة سبتمبر لم تكن مجرد حدث عسكري أطاح بالإمام، بل مشروع وطني متكامل أسهمت فيه قوى المجتمع المختلفة، من الأدباء والشعراء إلى الطلاب والمعلمين، ومن الضباط الأحرار إلى السياسيين الذين حملوا راية التنوير. إنها ثورة نُسجت خيوطها في المدارس والمقاهي والمنافي قبل أن تتجسد في ساحات القتال ومؤسسات الدولة.
خاتمة
يكشف كتاب "ثورة 26 سبتمبر (دراسات وشهادات للتاريخ)" أن سبتمبر لم يولد في ليلة عاصفة فقط، بل كان ثمرة كفاح طويل الأمد شارك فيه المفكرون والمثقفون إلى جانب العسكريين. إنها ثورة وعي قبل أن تكون ثورة بنادق، ورسالة بأن بناء الدولة الحديثة يحتاج إلى الفكر بقدر ما يحتاج إلى القوة.