أثارت دعوات رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، لتشكيل تحالف دولي لردع مليشيات الحوثي الإرهابية الكثير من التساؤلات حول أبعادها السياسية والأمنية ودلالاتها الاستراتيجية.
ودعا العليمي - في كلمة اليمن أمام الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة الخميس الماضي- إلى تشكيل تحالف دولي فعّال، من أجل استعادة أمن واستقرار اليمن، وإعادة بناء مؤسسات الدولة الوطنية، واستكمال تحرير البلاد من قبضة مليشيا الحوثي، المدعومة من إيران.
وقال العليمي "بات ضرورياً التحرك بصورة جماعية وحاسمة من أجل فرض السلام المنشود في اليمن". مضيفاً "آن الأوان لإطلاق تحالف دولي يحرر اليمن من الإرهاب، ويعيد بناء دولته الوطنية، ويؤمّن المنطقة والعالم من خطر متزايد عابر للحدود". مؤكداً أن "السلام المنشود لا يمكن أن يستجدى، بل يفرض بالقوة".
وفي ظهوره أمام مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية، الأسبوع الماضي، نشر العليمي على حسابه في منصة (إكس) صورة تجمعه مع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، معلقاً بالقول "يجمعنا والرئيس ترمب موقف موحد ضد المليشيات الإرهابية المدعومة من النظام الإيراني، وإرادة مشتركة لصنع سلام آمن، ومستقبل أفضل لليمن والمنطقة".
الدعم الدولي ضرورة ملحّة
وفي مداخلة لوزير الخارجية وشؤون المغتربين الدكتور شائع الزنداني، خلال أعمال لقاء قادة ميونخ المنعقد في محافظة العُلا السعودية الأربعاء، حول تعزيز الأمن في منطقة البحر الأحمر- أكد أن دعم حكومته يمثل أولوية وضرورة ملحّة لحماية الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، في ظل تصاعد تهديدات المليشيات الحوثية الإرهابية في البحر الأحمر.
وقال الزنداني إن "البحر الأحمر أصبح اليوم ساحة تهديد خطيرة بفعل الممارسات الحوثية التي تستهدف السفن التجارية والملاحة الدولية، وهو ما انعكس سلبًا على حركة التجارة العالمية ورفع تكاليف الشحن والتأمين، وأثر بشكل مباشر على الأمن الغذائي وإيصال المساعدات الإنسانية، مهددًا السلام والأمن في المنطقة"، وفق وكالة الحكومية "سبأ".
وأكد أهمية اتخاذ إجراءات وتدابير جماعية دولية ضد المليشيات الحوثية، بما في ذلك تصنيفها كمنظمة إرهابية دولية كخطوة مهمة لإضعافها وضمان استعادة الأمن والاستقرار في البحر الأحمر. مشيراً إلى أن أي تسوية سياسية شاملة في اليمن ستظل رهينة بوقف التدخلات الإيرانية التي تمكّن الحوثيين من تقويض جهود السلام واستهداف الملاحة الدولية.
تسعى الشرعية من "تدويل تهديدات مليشيا الحوثي" إلى إعادة تعريف المعركة باعتبارها تهديدًا للأمن الدولي، لا مجرد نزاع أهلي محلي، بالإضافة إلى تعزيز الشرعية السياسية، كون تشكيل تحالف دولي يوفر لها غطاءً سياسيًا وقانونيًا، ويمنحها فرصة لاستعادة حضورها كفاعل مركزي في المشهد بعد سنوات من التآكل الميداني والسياسي وإعادة تموضع الشرعية في الساحة الدولية.
ومثلت الدعوة الرامية إلى تدويل التهديدات الحوثية وحشد دعم عسكري وسياسي دولي لإنهاء الانقلاب، وفق محللين تحدثوا لـ "المصدر أونلاين" اعترافا صريحاً بفشل مسار السلام، يعكس في الوقت ذاته إدراكاً رسمياً بمحدودية أدوات الردع محليًا وإقليميًا، بحسب قولهم.
تشكيك غربي
وبشأن قبول الإدارة الأمريكية لفكرة تشكيل تحالف دولي، شكك السفير الأمريكي السابق لدى المملكة العربية السعودية خلال إدارة بايدن، مايكل راتني، من إمكانية حصول العليمي على دعم دولي لتحرير العاصمة صنعاء من الحوثيين.
وقال راتني، في تصريحات نقلها موقع "بوليتيكو" الأمريكي إنه يشك في أن العليمي - الذي يقسم وقته بين الرياض ومدينة عدن جنوب اليمن - سيحصل على الدعم الذي يطلبه لمحاربة الحوثيين.
وأضاف "لقد فعلت الولايات المتحدة ذلك لفترة، وحتى نحن فشلنا، وهناك الكثير من الصراعات في العالم، ولا أرى المجتمع الدولي يتقدم للانخراط في صراع آخر على الرغم من الوضع المتدهور هناك".
خطاب جيد في وقت سيئ
الدكتور عادل الشجاع، عضو اللجنة العامة بالمؤتمر الشعبي العام يرى أن احتمالات نجاح العليمي وحده في إنهاء الانقلاب الحوثي واستعادة صنعاء تبقى محدودة جداً، ما لم تتغير المعادلات على الأرض سياسياً وعسكرياً.
في حديثه لـ "المصدر أونلاين" يقول الشجاع "كلمة العليمي الأخيرة في الجمعية العامة للأمم المتحدة ودعوته لتحالف دولي تحسب له على صعيد الحراك الدبلوماسي، لكنها تظل مجرد خطاب جيد في وقت سيء".
وأضاف "الواقع أن الحوثيين لا يزالون الطرف الأقوى ميدانيا، يسيطرون على العاصمة ومؤسسات الدولة، ويملكون ماكينة عسكرية وأمنية وإعلامية متماسكة، بينما حكومة العليمي محاصرة بالخلافات والانقسامات، وتفتقر إلى أدوات الفعل على الأرض".
واعتبر دعوات العليمي إقراراً ضمنياً (إن لم نقل صريحا) بفشل التحالف العربي بقيادة السعودية في تحقيق أهدافه التي أعلنها عند إطلاق “عاصفة الحزم” عام 2015، وعلى رأسها إنهاء الانقلاب واستعادة الدولة.
وتابع "بعد أكثر من 8 سنوات من العمليات، و”الشرعية” ما تزال بلا سيادة فعلية، والحوثيون صاروا أقرب إلى الاعتراف الدولي، ودخلوا تحالفات إقليمية مقلقة، مع إيران والعراق ولبنان، بل وتهديداتهم تجاوزت حدود اليمن لتصل إلى البحر الأحمر والممرات الدولية".
تباين أجندات السعودية والإمارات
وأكد عضو اللجنة العامة بالمؤتمر أن اللجوء الآن إلى المجتمع الدولي وتدويل المواجهة يعكس خيبة أمل واضحة من الدور الإقليمي السابق، خصوصا بعدما غيرت السعودية بوصلتها نحو التهدئة والحوار مع الحوثيين، دون تحقيق نتائج حاسمة.
في حال نشوء تحالف عسكري دولي ضد الحوثيين، يقول الشجاع "لن يكتب له النجاح ما لم تعالج الانقسامات داخل الشرعية نفسها، فالشرعية اليوم ممزقة بين مكونات سياسية وعسكرية متنازعة: المجلس الرئاسي غير منسجم، هناك صراع نفوذ واضح بين المجلس الانتقالي الجنوبي، وحزب الإصلاح، ومكونات أخرى، بالإضافة إلى تباينات الولاء الإقليمي (بين السعودية والإمارات)".
واستدرك: "الجيش الوطني مفكك، الأمن غائب في معظم المناطق، وكل طرف يعمل بأجندته، فكيف يمكن أن ينجح تحالف دولي في دعم طرف لا يملك نفسه؟ فأي تدخل خارجي يحتاج إلى طرف محلي موحد وفاعل يمكن الوثوق به، وهذا ما تفتقده الشرعية حالياً".
وختم عادل الشجاع تصريحه بالقول "رشاد العليمي يطرق باب المجتمع الدولي لأن الأبواب الإقليمية ضاقت. دعوته لتحالف دولي هي نتيجة حتمية لفشل التحالف العربي، وليست خيارا جديدا بالكامل. لكن أي تحالف دولي سيفشل ما لم تنجح الشرعية أولًا في توحيد صفوفها، واستعادة ثقة اليمنيين بها. مؤكداً أن المعركة ضد الحوثيين ليست فقط عسكرية، بل هي أيضا معركة وعي، ومشروع، وشرعية حقيقية، وهو ما لم تقدمه الشرعية حتى الآن".
إنهاء الانقسامات بين مكونات الشرعية
الكاتب والمحلّل السياسي، فؤاد مسعد، يقول إن "دعوة الرئيس العليمي لتحالف عسكري دولي يمكن النظر إليها اعتباراً من توسع وتنامي التهديدات الحوثية خاصة في باب المندب والبحر الأحمر، وليست بالضرورة تعبير عن فشل التحالف العربي".
في حديثه لـ "المصدر أونلاين" يؤكد مسعد أن المطلوب من العليمي ونوابه في مجلس القيادة الرئاسي إنهاء حالة الانقسام والخلافات وتوحيد جميع المكونات المنضوية في المجلس على قاعدة الشراكة ووحدة الهدف في مواجهة الحوثيين على الأقل كهدف مرحلي تستدعيه الضرورة القصوى، لأن اختلاف المكونات والأطراف المحسوبة على الشرعية يقدم أكبر خدمة للحوثيين".
وفي حال تشكل تحالف دولي، يشير مسعد إلى أن مهمته الأولى التوفيق بين الأطراف المتصارعة التي يجمعها هدف العمل على استعادة الدولة وانهاء الانقلاب الحوثي.
رهان خاسر
الكاتب المصري المستشار بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، د. حسن أبو طالب قال "مثيرة تلك الدعوة التي تضمنتها كلمة العليمي أمام أعضاء الجمعية العامة، حين طالب بتشكيل تحالف دولي لمحاربة الحركة الحوثية، بوصفها تنظيماً إرهابياً عابراً للحدود، ومدججاً بالأسلحة الإيرانية المتطورة، بعدما اختطفت الحركة اليمن قبل عقد، وجعلته رهينة لمشروع لا يخص اليمن واليمنيين.
وأضاف أبوطالب في تحليل له نشرته صحيفة "الشرق الأوسط" أن الدعوة على هذا النحو تعني أمريْن، أن الرهان على أي عملية سياسية تعيد الحوثيين إلى الالتزام بخريطة الطريق التي طرحها المبعوث الأممي هانس غروندبرغ، وتتضمن تهدئة في البحر الأحمر، ووقف إطلاق النار على مستوى البلاد، ومعالجة القضايا الاقتصادية والإنسانية العاجلة، وعملية سياسية جامعة، هو رهان خاسر وفق المعطيات الراهنة، وفي أفضل الأحوال رهان ضعيف للغاية، يتطلب صبراً طويلاً وتضحيات كبرى.
وزاد "الأمر الثاني أن الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً ليس لديها القدرة على مواجهة المشروع الحوثي عسكرياً بمفردها، وقد ينجح الأمر في حال وقفت القوى الرئيسية في العالم، وليس فقط في الإقليم ضد الحركة الحوثية، وهزمت مشروعها، بشقيه اليمني والإقليمي الإيراني".
وأردف الباحث المصري "الأمران كلاهما يحيطان مصير الدولة في اليمن بالغموض والشكوك. جزء كبير من هذه الشكوك يعود إلى واقع الانقسام السياسي والجغرافي، واختلاف الرؤى في مجلس القيادة الرئاسي بين اتجاهين رئيسيين يسودان بين أعضاء المجلس"..