في مثل هذا اليوم من عام 1973، دوّى صوت المدافع المصرية على ضفاف قناة السويس، ليعلن بدء معركة العبور التي أعادت للأمة العربية كرامتها، وغيّرت مجرى الصراع العربي الإسرائيلي. إنها حرب السادس من أكتوبر (السابع من أكتوبر بالتقويم العبري)، التي خاضتها القوات المسلحة المصرية والسورية ضد الاحتلال الإسرائيلي في ملحمة بطولية أعادت للأمة العربية الثقة بنفسها، وكرّست مفهوم الإرادة والتضحية من أجل الأرض والكرامة.
عبور الأسطورة
في تمام الثانية من ظهر السادس من أكتوبر، انطلقت القوات المصرية في عملية عسكرية غير مسبوقة، اخترقت خلالها خط بارليف الحصين الذي وصفه الإسرائيليون بأنه "لا يُقهر". وبإرادة صلبة وتخطيط محكم، عبر أكثر من مئتي ألف جندي مصري قناة السويس في ساعات معدودة، رافعين راية النصر على رمال سيناء، ومكسرين أسطورة التفوق الإسرائيلي.
شكلت خطة العبور المصرية نموذجًا في الدقة والانضباط، حيث استطاعت قوات الهندسة فتح ثغرات في الساتر الترابي باستخدام مضخات المياه، مما أتاح للقوات المدرعة والمشاة التقدم نحو مواقع العدو، وسط تكبيرات الجنود التي ملأت السماء والعالم العربي فخرًا وعزة.
التلاحم العربي.. جبهة واحدة
لم تكن حرب أكتوبر معركة مصر وحدها، بل كانت ملحمة عربية شاركت فيها الأمة بكل إمكاناتها. فقد قاتلت القوات السورية على الجبهة الشمالية ببسالة لاستعادة مرتفعات الجولان، فيما قدمت الدول العربية دعمًا اقتصاديًا وسياسيًا غير مسبوق. وبرز قرار العاهل السعودي الراحل الملك فيصل بن عبدالعزيز بقطع النفط عن الدول الداعمة لإسرائيل، ليشكل سلاحًا استراتيجيًا غيّر موازين القوى وأجبر العالم على الإنصات للصوت العربي.
كما ساهمت دول عربية أخرى بإرسال قوات وسلاح وعتاد، من بينها العراق والجزائر وليبيا والسودان، في مشهد وحدوي أعاد للأمة العربية وهج التضامن ونبض الكرامة.
انتصار الإرادة وبداية السلام
انتهت الحرب بعد 19 يومًا من القتال البطولي، لكنها لم تنتهِ بانتهاء المعارك، إذ فتحت الطريق أمام مفاوضات السلام واستعادة الأرض المصرية في سيناء بالكامل عام 1982. وخلدت هذه الحرب في ذاكرة المصريين والعرب كأعظم انتصار عسكري في التاريخ الحديث، ورسخت عقيدة الجيش المصري القائلة: "ما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة."
يوم خالد في الذاكرة العربية
يظل يوم السادس من أكتوبر شاهدًا على تلاحم الجيش والشعب، وعلى وحدة الصف العربي عندما تتوحد الإرادة. هو يوم الانتصار على الغرور الصهيوني، ويوم استعادة الثقة بالنفس العربية. وفي كل عام، يحتفي المصريون والعرب بهذه الذكرى المجيدة، التي أعادت للأمة شرفها، وكتبت بدماء أبطالها صفحة ناصعة من تاريخ النضال العربي المشترك.