يعيش الحاج السبعيني حسن عبده محمد الفقيه، عند أولاده في مدينة مارب منذ عدة سنوات، بعد أن ضاقت به قريته في ريمة وصارت غير صالحة للبقاء. فراتبه التقاعدي الذي كان مصدر دخله الوحيد انقطع بعد سيطرة الحوثيين على البلاد ومصادرة أرزاق الناس.
تبقت له ابنةٌ واحدة تعيش في قرية "المطيب" بمديرية بلاد الطعام التابعة لمحافظة ريمة، اشتاق لها وحين قرر زيارتها وجد نفسه يصارع تجار البشر الذين يرون في أي إنسان يتحرك فرصةً للاسترزاق.
المشرفون الأمنيون الذين سلطهم الحوثي على المجتمعات المحلية يرون في كل شخصٍ عبارة عن زبون يفترض أن يكون مصدر دخل لهم.
الحاج حسن رجل سبعيني ويعاني من عدة أمراض أبرزها ارتفاع الضغط ومشاكل في شرايين القلب وباقة من أمراض الشيخوخة لرجل أمضى حياته كفاحاً في صفوف الجيش اليمني قبل أن يتقاعد منه قبل ربع قرن، وبالتحديد عام 2000. ومع ذلك، كل هذه التفاصيل لا تعني المشرف الأمني الذي حول إدارة الأمن في "ربوع بني خولي" إلى فخ لاصطياد القادمين إلى مناطقهم أو حتى العابرين، بقدر ما يعنيه أن كل قادم هو عدوٌ مفترض حتى يثبت براءته بإفراغ ما في جيبه وجيوب أقاربه إذا تبقى لديهم مدخرات بعد هذه السنوات العجاف، وإلا فيمكنهم الاستدانة لإثبات براءتهم.
في اليوم التالي لوصول الحاج حسن إلى قريته لزيارة ابنته، كان طقم المشرف الأمني يطرق الباب ويطلب منه الانتقال معهم إلى إدارة الأمن ليواجه هناك باقة متنوعة من التهم، تبدأ من تحميله مسؤولية ما يكتبه أبناؤه في الفيس بوك باعتباره تحريضًا ضد الله والإسلام والمسيرة، مروراً بالعمالة لأمريكا وإسرائيل وقائمة طويلة من الاتهامات لا تكاد تكون لها نهاية.
وكالعادة، كل القادمين هم نزلاء حتميون في السجن القميء أو ما صار يطلق عليه المواطنون "الحصالة"، وهناك وجد نفسه في مواجهة تحقيقات وأسئلة توجه لرجل لم يعد له علاقة بكثير من تفاصيل الحياة. كل ما يدور بخلده أن يمضي ما تبقى من حياته بهدوء وبعيداً عن ما يتسبب في تدهور صحته المتدهورة أصلاً. ارتفع الضغط وتدهورت حالته وكان على أقاربه أن يتوسطوا بكل من يستطيع لكي يقنع المشرف الأمني بنقله إلى المستشفى، اقتنع أخيراً بعد أن وجد أن الرجل يعاني من بداية جلطة في القلب وقد تنتهي حياته في السجن في حال تمسك به.
تم نقل الحاج حسن على عجل إلى أحد مشافي الحديدة بعد أن اعتذرت مستوصفات مدينة باجل عن استقباله، وفي الحديدة تم التعامل مع الحالة وعمل قسطرة قلبية مستعجلة، لينتقل بعدها إلى صنعاء لمواصلة العلاج. إلا أن القصة بالنسبة للمشرف الأمني بقيت أنه فقد زبون قبل أن يستفيد منه. هنا انتقل المشرف الأمني لمتابعة أقارب المريض وسجنهم بتهمة تهريب "المجرم المفترض" الذي كان لا بد أن يعترف أنه يعمل كتوجيه معنوي لدى الشرعية ويحشد مقاتلين. مع أنه يعلم أنه غادر إلى صنعاء لاستكمال العلاج، وهو هنا يبحث عن من يسدد بدلاً عن زبون خطر في بال المشرف الحوثي أنه قد يكون تآمر مع المرض بهدف الإفلات.
في الأساس يعمل مشرفو الحوثي الذين يسمون أنفسهم "المسيرة القرآنية" في الاتجار بالبشر عبر اعتقال كل من يمكن أن يكون اعتقاله سبباً في الحصول على المال، وبعد دفع الفدية يمكن له أن يكون مشتبهاً مع وقف التنفيذ.
اضطر أولاد العم حسن لقطع مسيرة العلاج ونقله من صنعاء إلى مارب حتى لا يكون عرضة للملاحقة ويجد نفسه في مواجهة مجموعة من البلاغات تدفع به نحو سجون يُوزع الموت فيها يومياً بالمجان على الأصحاء فما بالك برجل سبعيني يعاني من أمراض عدة.
الآن لا يزال المشرف الحوثي يحتجز اثنين من أقارب العم حسن بعد أن كان قد أجبر أحدهم بتوقيع ضمانة للالتزام بإعادته إلى السجن بعد أن ينتهي من العلاج. يصر المشرف الحوثي أن الحاج حسن يجب أن يخضع لاستتابة ومنعٍ من العودة إلى مارب التي يقيم فيها عند أبنائه بعد أن تقطعت سبل العيش أمامه في القرية. كان له راتب تقاعدي صادروه ويصرون على التعامل معه اليوم أنه فار وحين يعود إلى قريته لا بد أن يوقع استمارة عائد ويخضع لبرنامج استتابة.