الصيام يساهم في زيادة عدد الخلايا الجذعية السلفية المتداولة في الجسم، ما قد يعزز تجديد الأنسجة والصحة العامة، وفقاً لدراسة نشرتها العام الماضي مجلة Stem Cells and Development، سلطت فيها الضوء على التأثيرات البيولوجية للصيام المتقطع.
في إطار البحث، تابع العلماء عشرة متطوعين ذكور أصحاء صاموا من الفجر حتى الغروب خلال شهر رمضان، وجمعوا عينات دم في أوقات مختلفة لتحليل التغيرات في عدد الخلايا الجذعية. وأظهرت النتائج ارتفاعاً ملحوظاً في أعداد الخلايا الجذعية السلفية المكوّنة للدم (HSPCs)، المتدفقة في مجرى الدم مع استمرار الصيام. ووفق الدراسة، بلغت هذه الزيادة ذروتها قبل الإفطار، ويُعزى ذلك إلى تغيّرات في بعض الإشارات الكيميائية، خاصة عامل الخلايا الجذعية (SCF)، وعامل تحفيز مستعمرات الخلايا المحببة (G-CSF)، اللذين يلعبان دوراً رئيسياً في تنشيط الخلايا الجذعية وتعزيز وظيفتها.
يقول رينيه أنطونيو، أستاذ علم المناعة المشارك في جامعة الإمارات العربية المتحدة وأحد مؤلفي الدراسة، إن الصيام يعمل كمحفّز طبيعي لتنشيط الخلايا الجذعية، حيث تؤدي فترات الامتناع عن الطعام إلى تغيّرات في التمثيل الغذائي تُحفّز عمليات الإصلاح والتجديد الخلوي. "تشير نتائجنا إلى أن صيام رمضان قد يحمل فوائد تجديدية مهمة من خلال تعزيز نشاط الخلايا الجذعية، وهو ما يفتح آفاقاً جديدة لاستخدامه في التطبيقات الطبية، وخاصة في الطب التجديدي وعلاجات الخلايا الجذعية"، يقول أنطونيو لـ"العربي الجديد".
ويضيف أن الدراسة تسلّط الضوء على الفوائد الصحية للصيام إلى جانب أبعاده الروحية والغذائية، إذ تشير زيادة أعداد الخلايا الجذعية المتداولة في الدم إلى إمكانية دوره في إصلاح الأنسجة، وتعزيز المناعة، وربما حتى الحماية من بعض الأمراض.
ربطت أبحاث سابقة الصيام بتحسين السيطرة على مستويات السكر في الدم، وتقليل الالتهابات، وخفض مخاطر الاضطرابات الأيضية. وتضيف هذه الدراسة بُعداً جديداً، حيث تشير إلى أن الصيام قد يكون وسيلة طبيعية لتعزيز تجديد الخلايا الجذعية، الأمر الذي قد يساهم في إبطاء الشيخوخة وتعزيز قدرة الجسم على إصلاح الأنسجة. مع التقدم في العمر، تنخفض أعداد الخلايا الجذعية في الجسم، ما يؤثر على كفاءة تجديد الأنسجة. لكن الدراسة الجديدة تلمّح إلى أن الصيام قد يساعد في عكس هذا التدهور الطبيعي، وهو ما قد يكون له تأثير إيجابي على الصحة العامة وطول العمر.
بحسب الباحثين، فإن زيادة الخلايا الجذعية أثناء الصيام قد تعني فرصاً أكبر للوقاية من أمراض مزمنة، مثل أمراض القلب والسكري، إذ يعزز الصيام قدرة الجسم على ضبط مستويات السكر في الدم ويقلل من خطر مقاومة الأنسولين، وهو أحد العوامل الرئيسية المسببة للسكري من النوع الثاني. وتشير نتائج الدراسة إلى أن الصيام لا يقتصر على فوائده الأيضية فقط، بل يمتد ليشمل تأثيرات أعمق على مستوى الخلايا. فقد أظهرت أبحاث سابقة أن الصيام المتقطع قد يساعد في تعزيز وظائف الدماغ وتحسين الصحة العصبية، وهو ما قد تكون له تأثيرات إيجابية على الوقاية من الأمراض التنكسية مثل ألزهايمر وباركنسون.
ويشير الباحثون إلى أن هذه النتائج قد تمهد الطريق لعلاجات جديدة في مجال الطب التجديدي، إذ يمكن استغلال الصيام كأداة طبيعية لتعزيز نشاط الخلايا الجذعية، ما يجعله خياراً تكميلياً للعلاجات الموجهة لأمراض الدم، ونقص المناعة، وحتى تلف الأنسجة الناتج عن الشيخوخة أو الإصابات. "هذه الدراسة تفتح المجال أمام الباحثين لاستكشاف كيفية توظيف فوائد الصيام في العلاجات الطبية"، يضيف المؤلف المشارك في الدراسة، مشيراً إلى ضرورة إجراء المزيد من الأبحاث لفهم التأثير الكامل للصيام على مختلف الفئات، بما في ذلك النساء والأشخاص المصابون بحالات صحية معينة.
ورغم الحاجة لمزيد من الدراسات، يرى الباحثون أن النتائج الحالية تعزز الاهتمام العلمي بالصيام كوسيلة محتملة لتحسين الصحة وإطالة العمر، وهو ما قد يفتح الباب أمام استراتيجيات علاجية جديدة تستند إلى آليات بيولوجية طبيعية غير دوائية.