رغم عقود من الخطاب العدائي تجاه إسرائيل (التي هي بالطبع عدو رئيسي للامتين العربية والاسلامية)، وانشغالها (اي طهران) بتصدير الشعارات المناهضة للكيان الصهيوني، وجدت إيران نفسها فجأة مكشوفة أمام ضربات الموساد في العمق، وسط تساؤلات محلية ودولية عن هشاشة الدولة العميقة في طهران، وتناقض الشعارات مع الأولويات الواقعية لنظامها.
فقد رفع النظام الإيراني شعار "الموت لإسرائيل" منذ انتصار الثورة عام 1979، لكنه -وفق الوقائع- لم يفتح جبهة قتال حقيقية معها، بل تفرّغ بشكل عملي ومنهجي للتوغل في الجغرافيا العربية، فكانت النتيجة تقويض الاستقرار في أربع دول هي: العراق، وسوريا، ولبنان، واليمن.
مشروع الخراب
عملت إيران على تمزيق النسيج المجتمعي للدول المستهدفة عبر إذكاء الطائفية، واستخدمت وكلاء ميليشياويين يتبعون لها عقائديًا وميدانيًا.
تحوّلت هذه الأذرع إلى أدوات لفرض واقع سياسي بالقوة، وانتزاع قرار الحرب والسلم من الحكومات الشرعية، وخلق بيئات مأزومة تُدار بسلطة السلاح لا القانون.
ترافق هذا مع نهب للثروات، وإضعاف للاقتصاد، وتوطين للفقر والخوف والجهل، وتفتيت لركائز الدولة الحديثة، خاصة مبدأ المواطنة المتساوية، لصالح الامتيازات العقائدية والطائفية.
العدوّ "المنسي"
لكن حين وقعت المواجهة الفعلية مع إسرائيل، في سياق تصاعد التوتر الإقليمي، تفاجأ النظام الإيراني بمدى التغلغل الاستخباراتي الإسرائيلي في مؤسساته السيادية.
عمليات دقيقة استهدفت علماء نوويين، ومقار عسكرية، ومنشآت استراتيجية، أظهرت أن الموساد لم يكن فقط يرصد من بعيد، بل كان يعمل من داخل العمق الإيراني، مستفيدًا من ثغرات كبيرة في أجهزة الدولة.
هنا، سقطت الأسطورة التي بناها النظام لعقود، وبدأت طهران تشرب من ذات الكأس التي سقتها لغيرها: كأس الفوضى، والضربات الخفية، والانكشاف الأمني.
اليمن وسوريا ولبنان.. حكايات مكرورة
في اليمن، تقود جماعة الحوثي المشروع الإيراني وتطبق استراتيجياته بحذافيرها: انقلاب، طائفية، سلاح، وعزل اجتماعي واقتصادي.
وفي العراق، كان القرار السيادي رهينة الحشد الشعبي وقياداته المرتبطة بالحرس الثوري.
أما لبنان، فتحوّل إلى رهينة حزب الله، الذي جعل من الدولة ساحة لتصفية حسابات طهران.
وفي سوريا، دعمت إيران آلة القمع ضد الثورة الشعبية، تحت شعار "محور المقاومة".
خاتمة: الكأس التي دارت
الضربات الأخيرة في الداخل الإيراني، تكشف أن طهران لم تعد بمنأى عن "ارتداد سياساتها"، وأن الاستثمار في هدم استقرار الآخرين لا يُبقي بيتًا آمنًا في الداخل.
ومثلما خرّبت إيران أوطانًا عربية، ها هي تواجه خطر الانكشاف، بعد أن انتقل العدوّ من الحدود إلى المقرات، ومن الشعارات إلى قلب المؤسسات.