أعلنت جماعة الحوثي بدء تداول ورقة نقدية جديدة من فئة 200 ريال، في أحدث فصول مشروع نقدي غير قانوني تعمل عليه منذ سنوات بدعم إيراني، وسط تحذيرات من تداعيات كارثية على النظام المالي واستقرار الاقتصاد الوطني.
ما تدّعي جماعة الحوثي أنه جاء "استجابة لأزمة الأوراق التالفة"، يخفي خلفه – وفق مصادر مطلعة – خطة متكاملة بدأ الحوثيون في تنفيذها منذ العام 2017، شملت استيراد معدات وأوراق وأحبار أمنية من الصين، بتمويل وتقنيات وفّرتها شبكات مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، أبرزها شبكة رضا حيدري، المصنّف على قوائم العقوبات الأميركية لتورطه في تزييف عملات لصالح "فيلق القدس".
وبحسب معلومات خاصة حصل عليها "المصدر أونلاين"، بدأت الجماعة عام 2017 تجهيز بنيتها الداخلية لطباعة العملة، حيث تسلمت طابعات متخصصة من إيران، وشرعت في العام التالي بمحاولات فعلية لطباعة أوراق نقدية جديدة، مستخدمة أوراقاً أمنية استوردتها من شركة صينية بوساطة "شركة الزهراء" التابعة للقيادي الحوثي قصي بن إبراهيم الوزير.
المصادر أكدت أن العملية تمّت بتنسيق مع شبكة يقودها رجل الأعمال الإيراني رضا حيدري، الذي ورد اسمه في قائمة العقوبات الأميركية عام 2017 لتورطه في عمليات تزييف عملات لحساب فيلق القدس، إذ قام بتوريد طابعات وأحبار أمنية عبر شركات واجهة، نجحت في التحايل على القيود الأوروبية المفروضة على تصدير معدات الطباعة المتقدمة.
وقالت المصادر إن الحوثيين استوردوا الأحبار الخاصة أيضا من الصين مروراً بسلطنة عُمان، ضمن ترتيبات مع شركات تجارية تعمل كواجهة لتجنّب الملاحقة الدولية.
وكانت المحاولة الأولى للجماعة محاولة إنتاج أوراق نقدية بتصميم وتوقيعات مطابقة لتلك المعتمدة لدى البنك المركزي اليمني، لكنها باءت بالفشل بسبب تعقيدات تصميمية ولوجستية.
وفي محاولة لاحقة، لجأت الجماعة إلى موسكو لعقد صفقة طباعة عملات، لكنها قوبلت بالرفض من الشركات الروسية، ما دفعها إلى المضي بخطتها المستقلة، مستفيدة من الدعم التقني لشبكات الطباعة المرتبطة بإيران.
وتتوافق هذه الوقائع مع تقرير نشرته صحيفة "العربي الجديد" في نوفمبر 2017، كشف أن الشبكة التي زوّدت الحوثيين بالطابعات واجهت لاحقاً عقوبات أميركية بسبب ضلوعها في أنشطة تزييف عملات بدعم من إيران.
وفي الفترة نفسها، أعلن محافظ البنك المركزي الأسبق منصر القعيطي أن الأجهزة الأمنية ضبطت (في محافظة الجوف، وفقا لمصادر أخرى) شاحنة تحمل كمية من أوراق نقدية مزوّرة من فئة 5000 ريال، وهي فئة غير معتمدة ضمن العملة اليمنية، وتم نسبها زوراً إلى البنك المركزي، بينما يقف الحوثيون خلف إصدارها، وفقاً لما أوردته وكالة الأنباء الرسمية "سبأ" حينها.
ووفق المصادر، كان محافظ البنك المركزي التابع للحوثيين حينها، محمد السياني، يعارض هذه الممارسات خوفا من تحمل تبعاتها، لكنه أُقيل لاحقاً من منصبه، لتمضي الجماعة في تنفيذ خطة إصدار العملة خارج الإطار الرسمي.
وتحوّلت الجماعة بعد ذلك إلى استراتيجية بديلة تقوم على سكّ عملات معدنية للفئات الصغيرة (50 و100 ريال)، إلى جانب إعداد أوراق نقدية من فئات أكبر، بدأت بإصدار فئة الـ200 ريال، مع بقاء فئتي 500 و1000 ريال جاهزتين بحسب المصادر، لكنها لم تُطرح بعد في السوق.
وكانت الجماعة قد أعلنت في مارس 2024 عن طرح فئة 100 ريال المعدنية، أعقبتها بفئة 50 ريالاً في يوليو الجاري، وهي فئات محدودة التأثير لكنها أثارت ردود فعل واسعة محلياً ودولياً.
قصة الـ200 ريال
تاريخياً، بدأت السلطات النقدية اليمنية طباعة فئة 200 ريال في العام 1996 ضمن توسعة الفئات النقدية لدولة الوحدة، وفي 2009، بدأت عملية استبدال هذه الفئة بفئة 250 ريالاً في إطار تحسين التداول وتقليل النقد التالف، وارتبطت في الأوساط الشعبية حينها بقرار سياسي لطباعة عملة تحمل صورة جامع الصالح حديث التأسيس.
تشير التقديرات إلى أنه في تلك الفترة، تم سحب نحو 1.33 مليار ريال من فئة 200، واستبدلت بما يعادل 16 مليار ريال من فئة 250، وهو ما شكّل نحو 8–9% من إجمالي النقد المصدر في تلك الفترة.
خبراء اقتصاد يؤكدون أن تأثير الفئات الجديدة – وإن بدا محدوداً حالياً – يحمل تداعيات عميقة على المدى المتوسط والطويل، خصوصاً في ظل استمرار الحوثيين باعتماد "الإدخال التدريجي" للعملات الجديدة، ما يجعل أثرها أقل وضوحاً في المدى القصير، لكنه يتراكم بشكل خطير على الثقة بالعملة والامتثال المصرفي الدولي.
إضافة الى ذلك، تحافظ الجماعة على تثبيت سعر الصرف في مناطق سيطرتها من خلال تدخلات أمنية وإجراءات رقابية مشددة، ما يؤجل انعكاسات الطباعة على السوق، لكن ذلك لا يمنع تضخّم آثار هذه السياسة على الاقتصاد الكلي، ويُراكم آثاراً سلبية على قدرة النظام المالي على الامتثال الدولي، خاصة مع انتقال معظم النشاط المصرفي إلى عدن وخضوعه لرقابة شركة "K2 Integrity" الأميركية.
وتزداد التحذيرات من تداعيات الطباعة الحوثية غير القانونية، خاصة أن بعض العملات الجديدة تحمل توقيعات لأشخاص مصنّفين على لوائح الإرهاب الدولية، مما يُعقّد من قدرة البنوك على الامتثال، ويهدد بعزل مالي متزايد لمناطق سيطرة الجماعة.
وعقب إعلان إصدار الورقة النقدية من فئة 200 ريال، أصدر البنك المركزي اليمني في العاصمة المؤقتة عدن بياناً، اتهم فيه جماعة الحوثي بـ"تدمير أسس النظام المالي والاقتصادي اليمني"، عبر طباعة عملة مزوّرة بتوقيع "منتحل صفة قانونية" مصنّف دولياً في قوائم الإرهاب، وإنزالها للتداول عبر فرع البنك المركزي الذي تسيطر عليه الجماعة في صنعاء.
واعتبر البيان هذه الخطوة امتداداً لعمليات "نهب ممنهج لرؤوس الأموال ومدخرات المواطنين"، لتمويل شبكات مالية وهمية بلا غطاء نقدي أو قانوني، وصلت إلى تريليونات الريالات ومليارات الدولارات.
وأضاف أن "هذه التصرفات الهستيرية" تمثل محاولات يائسة لتجنّب انهيار اقتصادي وشيك، ودرء ثورة شعب نُهبت موارده ومقدراته.
وجدد البنك تحذيره لجميع المواطنين والمؤسسات والبنوك وشركات الصرافة بعدم التعامل مع ما وصفه بـ"العملات المزوّرة الصادرة عن كيان إرهابي"، محمّلاً من يتعامل بها مسؤولية قانونية وعقوبات صارمة بموجب القوانين اليمنية والدولية.
وأكد البنك أنه بذل جهوداً مكثفة بالتنسيق مع دول شقيقة وصديقة للحفاظ على قنوات العمل المصرفي في مناطق الحوثيين، لكن الجماعة تُصر على تدمير ما تبقى من مقومات الاقتصاد، مما قد يؤدي إلى عزل مالي شامل وانهيار المنظومة المصرفية المتبقية.
وحمل البنك في ختام بيانه جماعة الحوثي كامل المسؤولية عن العواقب القانونية والمالية، وما سيلحق بالمواطنين من أضرار نتيجة التعامل مع نظام مالي غير معترف به.
وفي وقت سابق أمس الثلاثاء، وصف رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي إصدار الحوثيين للعملة الجديدة بأنه جزء من "حرب اقتصادية ممنهجة" تهدف إلى تقويض جهود توحيد المؤسسات وإنهاء الانقسام المالي.
وخلال لقائه بسفراء الاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا وهولندا في عدن، قال العليمي إن الحكومة تخوض "معركة اقتصادية موازية" للدفاع عن ملايين اليمنيين الذين فقدوا مصادر دخلهم، متهماً الحوثيين بتقويض الاقتصاد الوطني من خلال استهداف موانئ التصدير وطباعة عملات غير قانونية.
وأضاف أن هذه الإجراءات ليست مجرد خروقات عابرة، بل تمثل تدميراً ممنهجاً لما تبقى من فرص عيش وأمن اقتصادي في البلاد، داعياً المجتمع الدولي إلى تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية واتخاذ إجراءات لعزلهم مالياً، ومؤكداً التزام الحكومة بخيار السلام وتسهيل عمل المنظمات الإنسانية.