في اطار مساعيها الرامية للاستحواذ بشكل كامل على ما تبقى من ملامح القضاء في مناطق سيطرتها، وزعت ميليشيا الحوثي العشرات من "خريجي الدورة التأهيلية الأولى لعلماء الشريعة" للتدرب في العديد من المحاكم في ثمان محافظات واقعة تحت سيطرتها.
وجاء في التعميم الحوثي رقم (48) الصادر عن رئيس هيئة التفتيش القضائي بتاريخ 5 نوفمبر 2025، أن توزيع هؤلاء الخريجين يتم بناءً على "ما تقتضيه مصلحة العمل والصالح العام". وتضمن التعميم قائمة بأسماء العشرات من المتدربين وعددهم 83 وأماكن تدريبهم بإشراف قضاة محددين، حيث تم توزيعهم على مختلف المحاكم في الأمانة صنعاء وحجة وصعدة وعمران وإب وتعز وذمار.، بإشراف قضاة محددين في كل محكمة.
وتأتي هذه الخطوة ضمن مسار متدرج تسلكه جماعة الحوثي لإعادة هيكلة مؤسسات الدولة، خاصة القضائية، على أسس مذهبية وفكرية، في ظل غياب أي رقابة أو استقلال فعلي للقضاء في مناطق سيطرتها.
وأثارت الخطوة الحوثية ردود فعل حقوقية وقانونية غاضبة، حيث اعتبره متابعون خطوة جديدة نحو إحلال خريجي المراكز الدينية الموالية للجماعة في مؤسسات القضاء، ما يعمّق تبعية السلطة القضائية للجماعة ويقوّض ما تبقى من استقلاليتها.
وقال المحامي الحقوقي عمار ياسين تعليقاً على التعميم إن القضاة "لن يتحدثوا أو يحتجوا على إقحام خريجي المعاهد الدينية في سلك القضاء لأنهم موظفون يخشون على مصدر رزقهم"، مضيفاً أن القضاة "كانوا في السابق يحتجون ويضربون عن العمل، أما اليوم فقد باتوا عاجزين عن الدفاع حتى عن مهنتهم".
وكان المركز الأمريكي للعدالة قد أشار في وقت سابق إلى توزيع الميليشيا 83 اسماً من خريجي الدورة التأهيلية الأولى لعلماء الشريعة، على عدد من المحاكم تمهيداً لتعيينهم في السلك القضائي.
واعتبر المركز أن الخطوة تُكرّس تعيينات أيديولوجية وتقوّض الحياد القضائي عبر تحويل المحاكم إلى ساحات تدريب عقائدي تحت غطاء "التأهيل المهني"، في سياق متواصل لـ تسييس القضاء وإعادة هندسته بإحلال عناصر مؤدلجة محل القضاة المهنيين.
وأشار إلى تعديلات سابقة على قانون السلطة القضائية منحت رئيس المجلس السياسي الأعلى التابع للحوثيين صلاحيات التعيين القضائي، معتبراً القرار الحوثي امتداداً لمسار إحكام السيطرة على القضاء وتحويله إلى ذراع تنفيذية للجماعة، بما يفتح الباب أمام انتهاكات جسيمة لحقوق المتقاضين ويفقد المحاكم ما تبقّى من ثقة وشرعية.
ودعا ACJ إلى إلغاء القرار فوراً ووقف مسارات "التدريب والتعيين" غير المهنية، وحثّ الأمم المتحدة والهيئات الحقوقية على اتخاذ موقف حازم لحماية استقلال القضاء ورفض تسييسه.